أمراض

هل يمكن علاج آلام أسفل الظهر دون أدوية أو تدخل جراحي؟

تعد آلام أسفل الظهر إحدى أكثر المشكلات الصحية انتشارا في عصرنا، ولعل ذلك يرجع لتغير ظروف العمل ولاسيما الأعمال المكتبية التي تحتاج جلسات طويلة ما أدّى لشيوع تلك الأمراض.

في ألمانيا مثلا، يقول البروفيسور ميشائيل روف لصحيفة ليدينغ ميديسن غايد إن 80% من الشعب الألماني قد عانوا من آلام أسفل الظهر أكثر من مرة خلال حياتهم، ويرجع أسباب ذلك غالبا لحمل أوزان غير معتاد عليها الشخص، فضلا عن أسباب أخرى كتنكسات العمود الفقري.

وبحسب البروفيسور هورست بالينغ الذي يعمل في مستشفى نيكار أودن فالد في “بادن فيتمبرغ” فإن 80 ألف عملية جراحية “أسفل الظهر” تجرى في ألمانيا سنويا.

وفي مقابل العلاج الدوائي والجراحي ثمة رأي طبي آخر يقول إن علاج كثير من هذه الأمراض يتم من خلال الالتزام بمجموعة تمارين رياضية تؤدي لنتائج أفضل بكثير من تلك الوسائل العلاجية.

الجزيرة نت زارت د. محمد طعمة المختص بجراحة العظام والعمود الفقري من جامعة بوخوم، في عيادته في بفورتسهايم للتعرف على تلك الطرق العلاجية.

يمكن أن نتحدث عن:

– آلام الظهر غير محددة السبب؛ وهذه الآلام لا يمكن إرجاعها إلى سبب محدد ويمكن أن تزداد أو تتحسن بأمور عامة كالانحناء المفاجئ الذي يمكن أن يزيدها، وكذلك حمل الأوزان الثقيلة، وتظهر بشكل تشنج عضلي. كذلك نتيجة الجلوس لفترات طويلة أمام الحاسوب (للعمل) أو العمل لفترات طويلة واقفا (تحت تأثير ثقل الجسم)، وأحيانا الضغط النفسي الشديد، أو الاكتئاب قد يسبب آلام ظهر مجهولة السبب أي لا تتعلق بأي سبب عضوي. وما يجب أن نعرفه أن آلام الظهر هذه (غير محددة المنشأ) لا تشكل خطرا على حياة الشخص.

– آلام الظهر واضحة الأسباب؛ ويمكن أن تكون فتق نواة لبية (ديسك)، أو كسور، أو ترقق العظام، أو ضيق القناة الشوكية، أو التهاب العمود الفقري كالتهاب الفقار اللاصق أو ضمن الآلام الروماتيزمية. ويمكن أن تكون آلام الظهر موضعية فقط ويمكن أن تنتشر للأطراف السفلية، كذلك قد تترافق مع تخدير وتنميل الأطراف السفلية او تترافق مع اضطرابات التبول أو عادات التغوط، كذلك ارتفاع الحرارة أو القشعريرة أو فقدان الوزن المفاجئ، والوخز أو الألم عند الاستلقاء، هذه الأعراض السابقة تتطلب رأيا مختصا، لأنها تدل على إصابة الجذر العصبي. وهذا يتطلب عادة الكشف السريري وصور أشعة، الطبقي المحوري أو الرنين المغناطيسي في بعض الحالات.

غالبية الناس يشتكون من آلام أسفل الظهر غير محددة السبب كالتشنجات العضلية بعد الجهد العضلي. وهذا ما يتطلب معالجة محافظة كاستعمال المسكنات المعروفة عند البعض كالإيبوبروفين أو ديكلوفيناك أو النابروكسين وهذه المسكنات معروفة اختصارا بـ(NSAR) أو عن طريق بعض الحركات الرياضية والتمارين.

-ما مخاطر العمل الجراحي ومتى يكون؟

عملت في أكبر مركز للعمود الفقري في ألمانيا، كنا نقوم بـ15 إلى 20 عملية جراحية يوميا، العمل الجراحي مفيد إذا كان الشق الجراحي صغيرا فلا بأس في العملية ويكون الدخول عن طريق الكاميرا واستئصال “فتق النواة اللبية”، أمّا إذا كان كبيرا فالعمل الجراحي يؤدي لنزف وتشكل كتلة دموية “هيماتوم” تضغط على جذر العصب فيكون تأثيرها أشد من الديسك نفسه، لذلك يفضل الابتعاد عن العمل الجراحي، كذلك المعالجة الدوائية غير محبذة بسبب التأثيرات الدوائية الجانبية إلا المعالجة لفترة قصيرة.

الطريقة المفضلة هي التمارين الرياضية ولكن بشكل طبي مدروس، وتحتاج استمرارية وليست متقطعة، وعلى المريض ملازمة هذه التمارين. وهي تمارين بسيطة تحتاج فقط 10 دقائق صباحا ومثلها مساء، والتحسن سيأتي مع الاستمرارية.

-لماذا هذه التمارين وما الغاية منها؟

عندما يضغط الديسك على الجذر العصبي تتأثر العضلة التي يغذيها الجذر العصبي ومنه تظهر الآلام، ودور التمارين الرياضية “الطبية” هو التأثير على العضلة وبشكل غير مباشر على الجذر العصبي، فلها تأثير مضاد للالتهاب (الوذمة حول العصب).

-كيف توصلتم إلى هذه الطريقة في العلاج؟

من خلال مراقبة نتائج مئات العمليات الجراحية الكبرى، ودراستي لحالات طبية متعددة وجدت أن كثيرا من هذه العمليات بهذا المجال بشكل عام يمكن تجنبها من خلال التمارين التي عملت على تجميعها ومراجعتها علميا وعمليا خلال 20 عاما من خبرتي الطبية في هذا المجال، فبعض نتائج العمليات الجراحية قد لا تكون كما يتمنى المريض لاسيما إذا كان الشق الجراحي كبيرا.

-ما أهم النتائج التي خلصتم إليها من خلال تطبيق ذلك على المرضى؟

أهم شيء في العلاج تقبل المريض لذلك والثقة بالطبيب، ولذلك كنت أتعامل مع المريض بمنطق (لن أوصف لك دواء ولا أذهب بك للعمل الجراحي)، ولكن بشرط أن تلتزم هذه التمارين على أنها هي الدواء، مع الديمومة على تلك التمارين كأنك تأخذ دواء في مواعيده النظامية.

وأضرب لك أمثلة من خلال معالجتي لمرضى ألمان، أن يأتي مريض على وشك الدخول للعمل الجراحي -وهذا حصل كثيرا- فأطلب منه أن يبدأ هذه التمارين ويستمر لشهرين، وبعدها نقرر العمل الجراحي أو لا، النتائج نحو 90% من المرضى لم يحتاجوا لعمل جراحي بسبب المداومة على التمارين، أما البقية فهم الذين لم يلتزموا وربما لم يقتنعوا بسبب شدة الألم، الغريب أن الذين تعافوا من خلال التمارين بات وضعهم أفضل بكثير ممن فضلوا العمل الجراحي.

-ذكرتم الاستعانة بالمسكنات.. متى يقررها الطبيب؟

مرضى آلام أسفل الظهر يتجنبون الانحناء إلى الأمام لأن الألم يزداد، والتمارين تعتمد على الانحناء، وهذا يؤدي إلى تشنج العضلات في بعض الحالات مما يضطرنا لإعطاء المريض مسكنا مؤقتا -إما إيبوبروفين أو ديكلوفيناك- بشكل وقائي وغالبا لمدة أسبوع كحد أقصى.

هذا الكلام أيضا ليس عاما بل يحتاج لمعرفة كل حالة مرضية على حدة، فمثلا المرضى الذين لديهم “تخريش عصبي” يحتاجون فيتامين “بي 12” (B 12)، لأن هذا الفيتامين يعمل على ترميم الجزء العصبي المتأذي.

هي 3 تمارين:

التمرين الأول: الركب مستقيمة ولا تثنى والقدمان متباعدتان، يتم الانحناء للأمام قدر الإمكان مع مد اليدين نحو الأرض ومن ثم الانحناء إلى الخلف مع وضع اليدين أسفل الظهر وتكرار السابق بشكل كامل 15 مرة، صباحا ومساء، ويفضل أن تزيد 5 مرات كل يومين حتى تصل 25 مرة.

التمرين الثاني: القدمان متباعدتان والركبتان مستقيمتان، ينحني المريض ويمد يده اليسرى إلى الكاحل الأيسر إن استطاع وألّا يكتفي بلمس الفخذ أو الساق، واليد اليمنى على الرأس ويتم ضغط الرأس باتجاه الصدر قدر الإمكان، أول يوم يبدأ بمدة دقيقة بالضغط على الرأس وكل يومين يزيد نصف دقيقة حتى يصل لـ2.5 دقيقة ويستمر عليه صباحاً ومساءً.

التمرين الثالث: الركبتان مستقيمتان والقدمان متباعدتان، واليدان أسفل الظهر مع الانحناء للخلف ثم يرفع اليد اليمنى على الجبهة ويتم ضغط الرأس إلى الخلف، يبدأ أيضا بدقيقة ثم يزيد 30 ثانية كل يومين حتى يصل لـ2.5 دقيقة صباحا و2.5 دقيقة مساء.

ثمة ملاحظات يجب الانتباه إليها:

• لا تنتظر التحسن في يوم وليلة، فقط استمر فالتحسن وذهاب الألم آت لا محالة.

• إن لم تصل للأرض بالتمرين الأول أو للكاحل بالتمرين الثاني، يكفي الانحناء بالقدر المستطاع فستصل للأرض أو للكاحل مع التكرار والاستمرار.

• التأكيد مرة أخرى على أن الألم قد يزداد في الأيام الأولى بسبب تشنج عضلات الظهر ولذلك كوقاية يجب استعمال المسكنات في الأيام الأولى.

• تجنب السقوط خلال التمارين وبخاصة مرضى انخفاض الضغط الانتصابي فيفضل في البداية لكبار السن إجراء التمارين بوجود أحد أفراد الأسرة.

 

المصدر : الجزيرة + الصحافة الألمانية
إغلاق