القلب والرئةسلايد 1

الرجفان الأذيني

الرجفان الأذيني (Atrial fibrillation) هو حالة اضطراب النـَّظـْم (حالة تؤدي إلى تغيير في نظم ضربات القلب عن الحالة السوية المنتظمة – Arrhythmia) الأكثر جدية وخطورة، والأكثر انتشارا (وذلك لا يشمل “ضربات القلب المبكرة” – (Premature contraction)، التي لا تُعتبر ظاهرة جدية بشكل خاص). تشكل حالة الرجفان الأذيني ظاهرة طبية واسعة الانتشار جدا، ويزداد احتمال حدوثها مع التقدم في السن، حتى أن نحو 10% من المسنين فوق سن 80 عاما يصابون بالرجفان الأذيني.

الرجفان الأذيني هو الحالة التي تنشأ فيها فعالية كهربية سريعة جدا وغير منتظمة في الأذينين، الأيمن والأيسر. ويفقد الأذينان، في هذه الحالة، قدرتهما على الانقباض بشكل منتظم نتيجة للفعالية الكهربائية السريعة جدا وغير المنتظمة. هذه الاضطراب في نَظم القلب ينبع، على الأغلب، من الأوردة الرئوية، ويتجلى في انقباضات سريعة وغير منظمة تصل وتيرتها 400 حتى 600 بالدقيقة.

تعمل العقدة الأذينية البطينية (A – V node) كحارس / بوّاب يمنع مرور المُحفزات الكهربائية السريعة للبطينين. ولكن، وبالرغم من فعالية هذه العقدة، تكوة ردة فعل البطينين على الرجفان الأذيني سريعة جدا وغير منتظمة. وقد يكون الرجفان الأذيني نوبة عابرة (مع احتمال أن يعود ويتكرر) أو دائما وثابتا.

أعراض الرجفان الأذيني

تختلف أعراض الرجفان الأذيني تبعا للحالة الصحية العامة للمريض وتبعا لحالة قلبه الصحية، وكذلك تبعا لسرعة ردة الفعل البطينية. فالرجفان الأذيني قد يظهر في أشكال متعددة ومختلفة، بدءا من الحالات التي لا تكون مصحوبة بأية أعراض فلا يعرف المريض حقيقة كونه مصابا بالرجفان الأذيني ولا يتم الكشف عنه إلا بطريق الصدفة، مرورا بالحالات التي قد يشكو فيها المريض من شعور بعدم انتظام النبض ومن الخَفـَقان (زيادة مؤقتة في سرعة ضربات القلب، يشعر بها الشخص كارتجاف في الصدر – Palpitation) وانتهاء بالحالات التي قد يصاب فيها المريض بفشل القلب الاحتقاني، بالوذمة الرئوية (Pulmonary edema) أو بالغشي (الإغماء – Syncope).

والرجفان الأذيني الذي يستمر وقتا طويلا يمكن أن يؤذي عمل القلب، أن يسبب حدوث فشل احتقاني في عمل القلب، قلبية، وأن يسبب، بشكل أساسي، تكوّن خثرات (جلطات) دموية في داخل الأذين الراجف. هذه الخثرات (Thrombi) يمكن أن تصل إلى شرايين مختلفة في الجسم، بما فيها شرايين الدماغ فتسبب سكتة دماغية (Stroke). ومن المعروف، اليوم، أن احتمال حصول السكتات الدماغية لدى المرضى المصابين بالرجفان الأذيني يزيد بـ 5 – 10 مرات عن احتمال حدوثها لدى مرضى آخرين لم يصابوا بالرجفان الأذيني. لذلك، فإن أغلبية هؤلاء المرضى (باستثناء المرضى دون سن 65 عاما وغير المصابين بأي مرض قلبيّ آخر أو بفرط ضغط الدم) يحتاجون إلى المعالجة الدائمة والثابتة بمضادات التخثر. وقد أشارت الأبحاث الأخيرة إلى أن المعالجة بمضادات التخثر أكثر أهمية بكثير من المعالجة التي تحافظ على وتيرة منتظمة لدقات القلب.

علاج الرجفان الأذيني

يشمل علاج الرجفان الأذيني عدة مستويات:

  1. المعالجة بمضادات التخثر لدى غالبية المرضى المصابين بالرجفان الأذيني الدائم أو الذي يظهر على شكل نوبات.
  2.  المعالجة بأدوية تمنع اضطراب نَظم القلب.
  3. تقويم نَظم القلب (بالصدمة الكهربائية – Cardioversion) في حالة النوبات المستمرة من الرجفان الأذيني والتي لا تزول على الرغم من المعالجة بالأدوية، وبعد تحقيق عدم تخثر الدم. في مثل هذه الحالة يمكن اللجوء إلى الإجراء المسمى “تقويم نظم القلب”. ويتم إجراء هذا العلاج تحت التخدير لبضع دقائق يتم خلالها توجيه صدمة كهربائية إلى الصدر تساعد في تقويم نظم القلب في أكثر من 90% من الحالات. أما في حال كون العلاج لمنع تخثر الدم  غير مضمون، فبالإمكان إجراء تقويم نظم القلب بعد القيام بفحص تخطيط صدى القلب من خلال المريء (Transesophageal echocardiography) لنفي وجود جلطة دموية (Thrombus) في الأذين قد تؤدي إلى حدوث مضاعفات. ويعتبر التقويم بهذه الطريقة إجراء آمنا وناجعا لوقف الرجفان الأذيني، لكن غالبا ما تتم إضافة أدوية لمنع حدوث اضطرابات في نظم القلب، ولمنع حدوث الرجفان مجددا.
  4. المعالجة بالأدوية التي تبطئ عملية النقل في العقدة الأذينية البطينية (AV node)، حتى تتم السيطرة على ردة الفعل البطينية على الرجفان الأذيني بشكل جيد، حتى لو لم يكن بالإمكان السيطرة على الرجفان، بعد  فشل العلاجات المذكورة في البندين 2 و3 أعلاه.
  5. استئصال مصدر الرجفان. بما أن اغلب حالات الرجفان تنبع من أوردة الرئة، فقد تم تطوير عدة طرق للفصل بواسطة قثاطير (قثطار – Catheter)، إذ تؤدي إلى فصل أوردة الرئة كهربائيا. نسبة النجاح في هذه الطريقة لا تزال منخفضة أكثر منها في عمليات الفصل في حالات تسرع القلب فوق البطيني(SVT – Supraventricular tachycardia). ومع ذلك، فإن التقدم الكبير الحاصل في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة يبشر بنتائج جيدة لهذه الطريقة في المستقبل.
  6.  زرع ناظمة اصطناعية – تبين، لدى قلة قليلة من المرضى الذين أصيبوا بالرجفان الأذيني، إن هنالك علاقة بين ظهور الرجفان وبين تباطؤ في نظم القلب (لذلك فهو يظهر في الليل، غالبا). هذا التباطؤ يمكن أن يسببه، أيضا، تناول الأدوية. لدى بعض هؤلاء المرضى، يمكن معالجة المشكلة بواسطة زرع ناظمة اصطناعية / جهاز تنظيم ضربات القلب (Artificial pacemaker). اليوم هنالك العديد من الأجهزة التي يمكنها أن تقلل، بل أن تمنع، حالات الرجفان الأذيني، أو وقفها فور ظهورها.
  7. عملية متاهة (Maze) – ثمة قلة قليلة جدا من المرضى الذين لا سبيل لهم إلا  بالمعالجة الجراحية. عملية متاهة (Maze) الجراحية تشمل تغيير مبنى الأذينين بطريقة تمنع حصول الرجفان فيهما. وتعتبر هذه العملية الجراحية واحدة من عمليات القلب الجراحية، بكل ما يعنيه الأمر وما ينطوي عليه. وهذه يتم إجراؤها، بشكل عام، للمرضى الذين كان مخططا من قبل خضوعهم لعملية جراحية في القلب، لسبب ما، بالرغم من وجود بعض الحالات التي يُخضع فيها المرضى لهذه الجراحة (Maze) لهذه الغاية (معالجة الرجفان الأذيني) فقط.

وإجمالا، يشكل الرجفان الأذيني مشكلة منتشرة جدا وقد حققت طرق معالجتها تقدما كبيرا خلال السنوات الأخيرة، ولا تزال. ومن المتوقع أن تشهد السنوات القريبة المقبلة عملا مكثفا وحثيثا في البحث والتطوير واكتشاف طرق جديدة للعلاج، وخاصة في مجال العلاج بالاستئصال الجراحي.

إغلاق