أمراضسلايد 1منتجعات علاجية

التسمم بالباراسيتامول

التسمم بالباراسيتامول ظهر بعد فترة  من بدء استعمال الباراسيتامول (Paracetamol) لأغراض طبية عام 1955، ويستعمل اليوم، بكثرة لتسكين الآلام والحُمَّى، كما يدخل في تركيب الكثير من العقاقير الدوائية، التي لا تُلْزِم الوصفة الطبية في أنحاء كثيرة من العالم. يعتبر هذا المركب الدوائي آمنًا للاستعمال عند استخدامه بجرعات ملائمة، إلا أن فرط استخدامه قد يؤدي إلى أضرار للجسم. لقد اكتشفت الحالة الأولى للتسمم بالباراسيتامول (Paracetamol poisoning) عام 1966، عندما تم الكشف عن أن مستويات تركيز الباراسيتامول المرتفعة في الدم، قد تسبب ضررًا بعيد الأمد للكبد. قد يسبب هذا المُرَكَّب الدوائي ضررًا منخفضًا نسبيًّا للأشخاص المصابين بأمراض كبدية مستعصية، كالمدمنين على المشروبات الكحولية، مقارنة مع الأشخاص المعافَيْنَ.

وبالرغم من أن هذا المُرَكب الدوائي يعد آمنًا نسبيًّا، إلا أنه يعد من أكثر أسباب التسمُّمات الدوائية خطورة، والذي قد يؤدي إلى الوفاة أحيانًا.

أعراض التسمم بالباراسيتامول

يُحدِثُ التسمّم بالباراسيتامول في مراحله الأولية علامات طفيفة، ومع ذلك من الضروري تشخيص حدوث حالات التسمم في مراحلها الأولى، لتدارك خطر وقوع الضرر للكبد.

يقسم التسمّم إلى أربع مراحل:

1) تبدأ المرحلة الأولى للتسمم، بعد نصف ساعة من أخذ الجرعة الدوائية وتستمر حتى انقضاء 24 ساعة بعد أخذ الجرعة. تشتمل أعراض التسمم في هذه المرحلة على الشعور بالغثيان، القيء، فَرْط في التعرٌّق، الإحساس بالضعف والإجهاد.

2) أما المرحلة الثانية من التسمم، فتبدأ بعد انتهاء المرحلة الأولى وحتى انقضاء 72 ساعة بعد تناول الجرعة الدوائية. يشعر المصاب في هذه المرحلة بالتحسن، إلا أنه في الوقت ذاته، يبدأ تطور الضرر الكبدي، أو ضرر في الكلى، والذي بالإمكان تشخيصه، فقط بواسطة تحاليل مخبرية. قد يبدأ المصاب، بعد مرور 36 ساعة، بالإحساس بألم في البطن، في المنطقة اليمينية العلوية، وملاحظة حساسية عند تحسس الكبد.

3) تبدأ المرحلة الثالثة للتسمم، بعد انقضاء 72 ساعة من بدء ظهور أعراض التسمّم وحتى مرور 96 ساعة. يشهد المصاب في هذه المرحلة عودة علامات الإصابة التي ظهرت في المرحلة الأولى، ولكن هذه المرة تكون الأعراض أكثر حدة، بالإضافة إلى ظهور أعراض جديدة، منها: التهاب الكبد (Hepatitis)، اضطراب يحدث بسبب الاعتلال الكبدي الدماغي، وارتفاع بمستوى فقر الدم، مع استمرار التحاليل المخبرية في الإشارة إلى اشتداد الضرر الكبدي و\أو الكُلْوي.

4) تبدأ المرحلة الرابعة للتسمم، بدءًا من اليوم الرابع للتسمم، وتستمر لمدة أسبوعين. إذا نجا المصاب من الموت بعد انقضاء المراحل الثلاث الأولى للتسمم، فإنه يبدأ بالتماثل للشفاء. ويعاود الكبد نشاطه الطبيعي بعد التعافي. من الجدير ذكره هنا، أن التسمّم بالباراسيتامول لا يسبب ضررًا بعيد الأمد للكبد، في حال تعافي المريض بعد تخطى المراحل الأربع للتسمم.

أسباب وعوامل خطر التسمم بالباراسيتامول

يقوم الكبد بوظائف هامة في عملية طرح المواد الخطرة والسامة من الجسم. يوجد هنالك عدد كبير من الإنزيمات الفاعلة، التي تساعد الكبد على القيام بهذه المهمة. تعمل هذه الإنزيمات على إحداث تغيّرات كيميائية، تمكن من إفراز المواد الخطرة والسامة من الجسم، عبر الجهاز البولي وعبر الإخراج.

يمر الباراسيتامول بعدد من التغيّرات الكيميائية، إذ يتبقى منه ما يقدر بـ 2% في الجسم، على صورة مادة سامة مضرة بالكبد، تعرف هذه المادة باسم (N – acetyl – p – benzoquinone imine NAPQI). إن كمية هذه المادة والتي تبقى في الجسم تكون قليلة، عند الاستعمال المُرَشّد وبالجرعات الدوائية المسموحة لمادة الباراسيتامول، ولا تسبب خطر الإصابة بالأضرار للكبد، وعادة ما تُطْرح من الجسم بسرعة. إنه من أجل حدوث الضرر للكبد وحدوث التسمم، لا بد وأن تتوفر كمية أكبر من ال NAPQI، وعادة ما تتوفر الكمية المطلوبة لإحداث الضرر، بفعل العوامل التالية:

  • الاستعمال المفرط للباراسيتامول.
  • فرط في نشاط الإنزيمات التي تعمل على إنتاج المادة السامة.
  • هبوط في كمية الإنزيمات التي تعمل على تفريغ الباراسيتامول بالطرق الآمنة من الجسم.
  • تفريغ مخازن مضادات الأكسدة – الغلوتاثيون (Glutathione).

أما عوامل الخطورة التي تزيد من احتمال خطر الإصابة بتسمّمالباراسيتامول فتشمل:

  • شرب الكحوليات بإفراط.
  • استعمال أدوية إضافية مثل الأدوية المضادة للاختلاج (Anticonvulsants) أو أدوية لعلاج مرض السلّ.
  • سوء التغذية.
  • عندما يكون المتلقي بالغ السن، مقارنة بالأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات.
  • التدخين.

تشخيص التسمم بالباراسيتامول

إن من المهم جدًّا، التنبه لنوع الدواء الذي تناوله المصاب، ومقدار الجرعة الدوائية التي تناولها، وتوقيت تناول الجرعة الدوائية، وفيما إذا كان تناول أدوية أخرى بالإضافة إلى الباراسيتامول.

أما عند إجراء الفحوصات المخبرية للدم، فيتوجب التأكد من مستوى تركيز الباراسيتامول في الدم، وكذلك مستوى تركيز إنزيمات الكبد من النوعينALT،  AST، كما يتوجب فحص وظائف التجلط، التي تشير إلى درجة الإصابة في الكبد. أما عند إجراء تحاليل البول (Urine)، فيجب الانتباه إلى مستوى الكرياتينين (Creatinine) في الدم لفحص نشاط الكلى.

إذا كان هناك شك لحدوث محاولة للانتحار، أو إذا امتنع المصاب أن يدلي بالتفاصيل، فمن الضروري إجراء فحص شامل للسموم للتأكد من وجود مواد إضافية.

علاج التسمم بالباراسيتامول

عند توجه المريض، بعد وقت قصير من حدوث التسمم، يساعد العلاج بالفحم في الحد من قدرة امتصاص الباراسيتامول، وبالتالي تدارك حالة التسمّم. تساعد عملية القيء أيضًا في تنظيف المعدة، وتساعد بالذات عند عدم توفر الفحم المُنَشَّط (Activated charcoal).

إن إحدى طرق العلاج الإضافية، هي بواسطة تناول الدواء المعروف باسم “أسيتيل سيستين” ACETYLCYSTEINE، والذي يعمل على منع التسمّم ومنع حدوث إصابة حادة في الكبد أو الموت، هذا إذا عولج المريض بهذا الدواء بعد 8 ساعات من بدء التسمم. تساعد هذه المادة الكبد على التأقلم مع المادة السامة، بواسطة إطلاق المواد المضادة للأكسدة الخاصة بالكبد.

يعطى الأسيتيل سيستين، في بعض دول العالم، مباشرة عن طريق الوريد، وفي دول أخرى يعطى عن طريق الفم. لا تبدو هنالك أي فروق هامّة بين نوعي العلاج. توجد لهذه المادة أعراض جانبية، تتلخص بحدوث غثيان وقيء، والتي تظهر في ثلث حالات العلاج. يستعمل عقار الأونديسترون لعلاج هذه الأعراض الجانبية. وفي حالات نادرة، تكون لجسم المتلقي حساسية لاستعمال هذا العلاج، والتي تتمثّل في الإحساس بالتعب والضعف، ولا تتطلب علاجًا.

قد يُلاحظ في بعض الحالات، بعد بدء تلقي العلاج، وجود علامات تدل على تفاقم حال المصاب، فيما يتعلق بالنشاط الكبدي، حسب ما تظهره التحاليل المخبرية للكبد. إلا أن هذه العلامات تختفي بعد فترة قصيرة، ويتوقف الضرر ويتعافى الكبد بعدها.

إغلاق