أمراضسلايد 1منتجعات علاجية
تشمع المرارة الأولي
المرارة، هو سائل يتم إنتاجه في الكبد ومن ثم إفرازه إلى الأمعاء الدقيقة، وهو عنصر أساسي جدا في عملية تحليل الدهون. بالإضافة إلى ذلك، يلعب سائل المرارة دورا هاما بتحليل مركبات كريات الدم الحمراء، إفراز المواد السامة والكوليسترول من الجسم.
في حالة تشمع المرارة الأولي ، يحدث ضرر لمسالك المرارة في الكبد، إلى درجة لا يعود فيها أي مجال لإفراز سائل المرارة إلى الجهاز الهضمي. في مثل هذه الحالة، من الممكن أن يحدث تراكم للمواد الضارة في الجسم عامة، وفي الكبد بشكل خاص، ومن الممكن أن يؤدي لتندّب الكبد بصورة بالغة وغير قابلة للعلاج، بل ولتشمع الكبد (Liver cirrhosis).
ما زال العامل الأساسي المسبب لحالة تشمع المرارة موضوعَ نقاش بين الكثير من المختصين. وعلى ما يبدو، فإن المرض ناتج عن عملية يقوم خلالها جهاز المناعة بمهاجمة خلايا الجسم السليمة (Autoimmune) عن طريق الخطأ، إلا أن لهذا المرض أيضا مؤثرات وراثية وبيئية.
هنالك أنواع من الأدوية القادرة على إبطاء تطور المرض. وكلما تم الكشف عن المرض أبكر، كان بالإمكان علاجه بصورة أنجع.
أعراض تشمع المرارة الأولي
في بعض الحالات، يحتاج الأمر لسنوات عديدة إلى أن تبدأ بوادر وأعراض المرض بالظهور، كما أن هنالك بعض الأشخاص الذين لا يعانون من ظهور أية أعراض أو علامات إطلاقا، على الرغم من تشخيص إصابتهم بتشمع المرارة.
أما من يعانون من الأعراض في مراحل مبكرة، فإنهم عادة ما يشتكون من:
- التعب والضعف اللذين يميزان مرض تشمع المرارة، على الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة بين مستوى التعب الذي يشتكي منه المريض وبين حدّة الإصابة بالمرض. هكذا، فإنه من الممكن أن يشعر مريض ما، في مرحلة متقدمة من المرض، بقدر أقل من الضعف، مما يشعر به مريض آخر في المراحل المبكرة من المرض.
- الحكة (Pruritis)، هي إحدى الشكاوى المنتشرة بين مرضى تشمع المرارة، خاصة في منطقة الرجلين، اليدين، وفي الظهر. تتغير حدّة الحكة خلال ساعات النهار، وعلى الأغلب تزداد خلال ساعات الليل. كما أنه من الممكن أن تؤدي الحكة القوية للإزعاج عند النوم ولزيادة التعب، وحتى الاكتئاب. ليس من الواضح تماما لماذا يتسبب تشمع المرارة بظهور الحكة.
- الجفاف بالعينين والفم (Sicca syndrome) يميز الكثير من الأمراض ذاتية المناعة (التضادية – Autoimmune)، وبضمنها تشمع المرارة. ينتج الجفاف عن تدمير خلايا الغدد المسؤولة عن ترطيب العينين والفم، مما يؤدي لانخفاض قدرتها على إفراز سوائلها بشكل كاف.
مع تقدم المرض وازدياد الأضرار اللاحقة بمسالك المرارة، تبدأ أعراض أخرى بالظهور:
- اليرقان (الاصفرار – Jaundice): هو أحد العلامات الفارقة التي تدل على الإصابة بأمراض الكبد، وهو يظهر أيضا في المراحل المتقدمة من تشمع المرارة. يظهر اللون الأصفر على الجلد وفي المنطقة البيضاء من العين. يحدث هذا التغيير باللون نتيجة ارتفاع كبير بمستوى البيليروبين (Bilirubin)، وهي المادة الناتجة عن إفراغ سائل الهيموجلوبين (الدم) من كريات الدم الحمراء المسنـّة أو المصابة. في الحالات العادية، تقوم المرارة بإفراز البيليروبين إلى خارج الجسم. لكن كلما تقدم المرض وكلما ازداد عدد قنوات المرارة المتضررة، تقل القدرة على إفراز البيليروبين ويبدأ بالتراكم في الجسم.
- فرط التصبّغ (Hyperpigmentation): ظهور البقع الداكنة على الجلد ، حيث تبدأ هذه البقع بالظهور في مختلف أنحاء الجسم دون علاقة بالتعرض لأشعة الشمس. يعود سبب ذلك إلى ارتفاع مستويات الميلاتونين (Melatonin) (وهو الصباغ الطبيعي في الجسم)، بسبب تراجع وتيرة تدفق المرارة في الجسم.
- انتفاخ بالقدمين (وَذَمات – Edema)، والذي يبدأ بالتفاقم خلال ساعات النهار، ويصل الذروة في المساء. يظهر هذا الانتفاخ في المراحل الأولى، وبعده يظهر انتفاخ في منطقة البطن (الاستسقاء – Ascites). سبب هذه الانتفاخات هو أنه كلما تزايد الضرر اللاحق بالكبد، كلما تراكمت في الجسم كميات أكبر من الأملاح، والماء في أعقابها، حيث يبدأ الماء بالتجمع في أماكن مختلفة من الجسم.
- أورام دهنية – كوليسترول- (Xanthomas): تظهر في أماكن متفرقة من الجسم. فالمرارة هامة جدا من أجل إفراز الكوليسترول إلى خارج الجسم، ولذلك، ومع انخفاض إفراز سائل المرارة ترتفع مستويات الكوليسترول في الجسم.
تميل الرواسب الدهنية للتراكم، بحيث أن أكثر الأماكن عرضة لتراكمها هي منطقة العينين، طيات راحة اليدين والقدمين، الكوعين والركبتين. هذا العارض يعتبر نادرا نسبيا، نظرا لأن رواسب الكوليسترول تبدأ بالتراكم فقط عندما يكون مستوى الكوليسترول مرتفعا جدا.
سائل المرارة حيوي لتحليل وامتصاص الدهون من الأغذية، وهذه العملية لا تتم بشكل سليم لدى مرضى تشمع المرارة. عدم امتصاص الدهون يؤدي للإسهال ولبراز دهني (Steatorrhea) ذو رائحة كريهة.
أسباب وعوامل خطر تشمع المرارة الأولي
عند الإصابة بتشمع المرارة، يقوم جهاز المناعة، وخصوصا الخلايا الليمفاوية من نمط T بمهاجمة الخلايا التي تبني قنوات المرارة، وتستبدلها بنسيج ندبيّ (Scar tissue) يسد الطريق أمام سائل المرارة داخل الكبد. ليس من الواضح ما الذي يتحكم بعمل خلايا جهاز المناعة ضد قنوات المرارة، لكنه على ما يبدو ذو أصول وراثية ويرتبط بتلوثات فيروسية وبكتيرية معينة.
من الناحية “الوبائية”، يظهر المرض في 90% من الحالات لدى النساء. غالبية هؤلاء النساء هن بجيل 35 – 60 عاما.
مضاعفات تشمع المرارة الأولي
- المرحلة النهائية من مرض تشمع المرارة هي الإصابة بتشمع الكبد، والذي من الممكن أن يظهر بعد الإصابة الفعلية بعدة سنوات. يؤدي تشمع الكبد لفشل كبدي تام، ويشكل خطورة فورية على الحياة.
- ارتفاع بضغط الدم في وريد الباب الكبدي (Portal vein): فالدم من الأمعاء، الطحال، والبنكرياس، يصب في هذا الوريد. وعندما يسبب تشقق الأنسجة في الكبد تضيّق هذا الوريد، يرتفع الضغط فيه، ويتضرر وصول الدم إلى الكبد. هذا الوضع يؤدي لأداء غير سليم للكبد، مما يضر بعملية تصفية الدم وتنقيته من المواد السامة، الهرمونات، وبقايا الأدوية.
- الدوالي: عندما يرتفع ضغط الدم في وريد الباب الكبدي، يعود الدم إلى الخلف، ويزداد سريانه في وريد المريء والمعدة. هذه الأوردة لا تلائم عبور كميات كبيرة من الدم بضغط عال، مما يؤدي لانتفاخها وحتى تمزقها. قد يكون النزيف في المريء أو المعدة، وضعا يشكل خطورة كبيرة على الحياة.
- ازدياد احتمالات الإصابة بسرطان الكبد.
- تخلخل العظام (Osteoporosis): هو أحد المضاعفات المتأخرة لمرض تشمع المرارة، وينتج عن إلحاق الضرر بقدرة الكبد على توزيع مخزون الكالسيوم في الجسم وبإنتاج الفيتامينD.
- انخفاض القدرة على امتصاص الدهون يؤدي لانخفاض بالقدرة على امتصاص الفيتامينات الذائبة بالدهنيات (K,E,A,D).
- اضطرابات ذهنية، وخصوصا انخفاض القدرة على التركيز وتراجع الذاكرة.
- لدى المصابين بتشمع المرارة، يظهر ازدياد بالإصابة بأمراض أخرى مثل تصلب الجلد من نوع CREST، التهاب المفاصل الروماتيزمي، متلازمة رينو (Raynaud) واضطرابات بالغدة الدرقية.
تشخيص تشمع المرارة الأولي
في كثير من الحالات يتم تشخيص الإصابة بالمرض حتى قبل ظهور الأعراض، وذلك نظرا لأن فحص دم عادي يكشف عن ارتفاع مستوى إنزيمات كبدية معينة في الدم. بعد ذلك يتم إجراء فحوص الأمواج فوق الصوتية (الأولتراساوند) للكبد من أجل التأكد من عدم وجود أسباب أخرى لارتفاع إنزيمات الكبد. كذلك، يتسم هذا المرض بظهور مضادات ذاتية من نوع Anti – mitochondrial antibodies. أما التشخيص النهائي، فعادة ما يتم من خلال أخذ عينة من أنسجة الكبد.
بالنسبة لأقارب المصاب بتشمع المرارة من الدرجة الأولى، يتم إجراء فحص المضادات الذاتية في مراحل مبكرة، وقبل ظهور ارتفاع مستويات إنزيمات الكبد. بهذا الشكل، من الممكن فحص احتمالات أن يصاب هؤلاء بالمرض وحتى علاجهم بمرحلة مبكرة إذا اقتضى الامر.
علاج تشمع المرارة الأولي
نظرا لعدم وجود أي دواء قادر على شفاء هذا المرض، فإن علاج تشمع المرارة الاولي يتمحور حول تأخير تفاقمه قدر الأمكان، إضافة للتخفيف من أعراضه ومنع مضاعفاته.
علاج المرض:
حمض الأرسوديول (Ursodeoxycholic acid) – هذا الدواء يساعد على تفريغ سائل المرارة من الكبد، وثبت أنه يطيل العمر. يستخدم كعلاج في المراحل الأولى من الإصابة بالمرض، غير انه لا يبقى فعّالاً في المراحل المتقدمة. من أعراض استخدام هذا الدواء الجانبية: ازدياد الوزن، فقدان الشعر والإسهال.
اليوم، هنالك الكثير من الأدوية التي تتم تجربتها مخبريا وسريريا (Clinical trials)، والتي من الممكن أن تكون علاجات مستقبلية. عندما يتفاقم المرض ويخرج عن السيطرة، تصبح هنالك حاجة لزرع كبد. صحيح أن زرع كبد جديد يخلق تحسنا ويطيل العمر، إلا أن هذا لا يمنع إمكانية أن يعاود تشمع المرارة إصابة الكبد الجديد المزروع.
علاج الأعراض:
هنالك الكثير من الأدوية التي تعمل على تخفيض مستويات الكوليسترول، منها “كوليستريمين” (cholestyramine)، و”كوليستيفول” (Colestipol)، والـ”ريفامبين” (Rifampin). كذلك، فإن استخدام أدوية من العائلة “الأفيونية” من الممكن أن يساعد بعض المرضى على مواجهة الحكة الشديدة، كما أن الفترة الأخيرة تشهد تجارب سريرية متقدمة على بعض أنواع الأدوية التي تمنع الشعور بالتعب والضعف.
كذلك، هناك علاجات خاصة وظيفتها منع المضاعفات الناتجة عن ارتفاع ضغط الدم في وريد الباب الكبدي، تخلخل العظام، ونقص الفيتامينات الذائبة بالدهون.