أمراضالطب النفسي
“انقطاع التنفس في أثناء النوم”.. دوائر الخوف لا تتوقف
تعاني “هدى” من خوف لا يتوقف من حالة سيئة تطاردها من حين إلى آخر خلال ساعات النوم التي من المفترض أن ترتبط بالسكون والراحة.
تقول “هدى” -استخدمت اسمًا مستعارًا لإخفاء هويتها- في تصريحات لـ”للعلم”: أستيقظ بصورة مفاجئة، إذ أجد صعوبة في التنفس وكأنني ألهث أو أختنق، وبعدها يكون من الصعب العودة إلى النوم، ويترك ذلك أثرًا عليَّ في اليوم التالي؛ إذ أعاني خلال النهار من صداع وإرهاق وتغيرات مزاجية، وأحيانًا دوار.
مشاعر الخوف والأرق التي تطارد “هدى” مجرد فصل قصير من فصول اضطراب “انقطاع النفس الانسدادي النومي”، وهو أحد أشهر أنواع اضطرابات “انقطاع النفَس في أثناء النوم” وأكثرها شيوعًا.
يُعرف “انقطاع النفس النومي” بأنه “اضطراب خطير، يتسبب في توقف التنفس لمدة تزيد على 10 ثوانٍ في كل مرة على نحوٍ متكرر في أثناء النوم نتيجة الانغلاق المتكرر للحلق أو مجرى التنفس العلوي، وهو الممر الذي يبدأ من الفم والأنف واللوزتين وصولًا إلى الحلق ثم الحنجرة، ويعاني المرضى عددًا من نوبات انقطاع التنفس يبلغ من 5 نوبات إلى 30 نوبة أو أكثر في الساعة.
وتشمل الأنواع الرئيسية من “انقطاع النفس النومي” كلًّا من “انقطاع النفس الانسدادي النومي”، الذي يحدث عندما ترتخي عضلات الحلق، و”انقطاع النفس النومي المركزي”، ويحدث عندما لا يرسل الدماغ الإشارات الملائمة إلى العضلات التي تتحكم في التنفس، و”متلازمة انقطاع النفس النومي المعقد”، التي تحدث نتيجة إصابة الشخص بانقطاع النفس الانسدادي النومي وانقطاع النفس النومي المركزي معًا.
السكتة الدماغية
وتشير دراسة حديثة إلى أن “انقطاع النفس النومي قد يُسهم في ضعف الإدراك في عدة مجالات، تتضمن التركيز، واليقظة، وتراجُع القدرة على أداء الوظائف التنفيذية، كما يؤثر سلبًا على عملية الإدراك لدى الأشخاص الذين يعانون الأرق والحرمان من النوم، ويلاحَظ شيوع هذا الاضطراب لدى مرضى السكتة الدماغية”.
في البداية، تم تجنيد 156 بالغًا سليمًا، و94 مصابًا بالسكتة الدماغية، واستقر الباحثون على إجراء الدراسة على 94 شخصًا (32 منهم يعانون من معدلات خفيفة من انقطاع النفس النومي مقابل 27 يعانون من معدلات متوسطة إلى شديدة)، أما العدد الباقي من العينة (35 شخصًا) فقد مثَّل مجموعة ضابطة لا يعاني أفرادها هذا الاضطراب، ثم خُفض العدد وفق معايير معينة؛ إذ دُعي المرضى الذين يعانون من السكتة الدماغية الإقفارية إلى مركز الاضطرابات النفسية العصبية والصحة العقلية في مقاطعة آنهوي الصينية في الفترة بين يناير 2020 وحتى مايو 2021 للمشاركة في الدراسة.
وشملت تلك المعايير أن تتراوح أعمار المشاركين بين 18 و75 عامًا، وأن يكون قد تم التثبت من الإصابة بالسكتة الدماغية الإقفارية -عن طريق الفحص بـ”التصوير المقطعي المحوسب” (CT)، الذي يعتمد على التقاط سلسلة من صور الأشعة السينية من زوايا مختلفة حول الجسم، أو “التصوير بالرنين المغناطيسي” (MRI)- وتشخيصها من قِبل طبيب أعصاب، كما استبعد المرضى إذا كانوا من ذوي الحالات الطبية الخطيرة، ومن ضمنها فشل الجهاز التنفسي و”فشل القلب الاحتقاني”، كما استبعد الأشخاص الذين لديهم تاريخ مرضي من أي ضعف في الإدراك أو الأمراض النفسية المشتركة قبل الإصابة بالسكتة الدماغية، إضافةً إلى استبعاد مَن رفضوا المشاركة في جميع الاختبارات.
مخطط النوم
جُمعت بيانات عن الخصائص الديموجرافية والسريرية للمشاركين، تتضمن التاريخ الطبي والأدوية التى يتعاطونها وتفاصيل الإصابة بالسكتة الدماغية.
وأخضع الباحثون المشاركين لفحص “مخطط النوم“، وهو فحص ليلي غير جراحي يتم إجراؤه لتسجيل حركات الجسم ووظائفه المتعددة في أثناء النوم، وذلك بهدف تشخيص العديد من مشكلات النوم، وأهمها انقطاع النفس الانسدادي النومي وعدم القدرة على النوم أو عدم القدرة على الاستمرار في النوم ليلًا (الأرق)، وذلك من خلال قياس مجموعة متنوعة من الوظائف مثل تسجيل نشاط الدماغ، وحركة العين، ومستويات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الدم، ومعدل ضربات القلب، ومعدل التنفس، وتدفق الهواء عبر الفم والأنف، والشخير، وحركة العضلات، وحركة مناطق الصدر والبطن.
ووفق الدراسة، فقد عرف الباحثون “انقطاع النفس النومي” بأنه توقف تدفق الهواء بنسبة 90٪ لمدة 10 ثوانٍ، أما انقطاع النفس مع استمرار حدوث جهد مستمر في الصدر والبطن، وعدم وجود حركات في الصدر والبطن، ونقص أولي في الحركة متبوعًا بجهد تنفسي، فقد صنفت بأنها “انقطاع النفس الانسدادي النومي، وانقطاع النفس النومي المركزي والمختلط”.
وتشير النتائج إلى أن اضطراب “انقطاع النفس النومي” له تأثيرات كبيرة على ضعف الإدراك لدى المرضى الذين يعانون من السكتة الدماغية، وأن نقص مستوى الأكسجين في الدم قد يكون آلية فيزيولوجية مرضية محتملة للضعف الإدراكي الناجم عن هذا الاضطراب.
خطورة متزايدة
وكانت دراسة أخرى حديثة قد حذرت من خطورة ارتباط الأرق المرضي بـ”انقطاع النفس الانسدادي النومي”، مؤكدةً أن الأشخاص الذين يعانون من الأرق المرضي وانقطاع النفس الانسدادي النومي لديهم مخاطر متزايدة بنسبة 47% للوفاة (لأي سبب) مقارنةً بالمشاركين الذين لا يعانون من الأرق أو توقف التنفس في أثناء النوم، حتى عندما أُخذت العوامل الأخرى المرتبطة بزيادة معدل الوفيات في الاعتبار.
ويشير مصطلح “الأرق المرضي” إلى معاناة المريض من الأرق بسبب أمراض أخرى مثل التوتر، والاكتئاب، وانقطاع التنفس في أثناء النوم، وحرقة المعدة، والأوجاع البدنية.
تتبَّع الباحثون في الدراسة التي نشرتها دورية “يوروبيان ريسبيراتوري جورنال” (European Respiratory Journal)، بيانات 5236 شخصًا داخل الولايات المتحدة الأمريكية بلغت أعمارهم حوالي 60 عامًا في بداية الدراسة لمعرفة مخاطر انقطاع النفس الانسدادي النومي المصحوب بالأرق المرضي على حياة أولئك الأشخاص.
وتنوعت عينة البحث لتشمل 2221 شخصًا يعانون من انقطاع النفس الانسدادي النومي فقط بنسبة بلغت أكثر من (42.4%)، و170 شخصًا يعانون من الأرق وحده بنسبة (3.2%)، و137 شخصًا يعانون من الأرق وانقطاع النفس الانسدادي النومي بنسبة (2.6%)، وبلغ عدد المجموعة الضابطة الذين لا يعانون من الأرق أو انقطاع النفس الانسدادي النومي 2708 من الأشخاص بنسبة بلغت أكثر من (51.7%)، وتابع الباحثون المشاركين لمدة 15 عامًا تقريبًا، مع تسجيل وفاة 1210 أشخاص خلال تلك الفترة.
علاقة ارتباطية
أظهرت النتائج ارتباط “الأرق المرضي المصحوب بانقطاع النفس الانسدادي النومي” بارتفاع معدلات ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية؛ إذ كان المشاركون الذين يعانون من “الأرق المرضي المصحوب بانقطاع النفس الانسدادي النومي” أكثر تعرضًا مرتين للإصابة بارتفاع ضغط الدم وأكثر تعرضًا للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 70%، مقارنة بالمشاركين الذين لا يعانون من الأرق أو انقطاع النفس الانسدادي النومي.
يقول باستيان ليتشات –الباحث في قسم صحة النوم بمعهد فلندرز للبحوث الصحية والطبية، والباحث الرئيسي في الدراسة- في تصريحات لـ”للعلم”: إن الأرق المرضي وانقطاع النفس الانسدادي النومي هما أكثر اضطرابات النوم شيوعًا، وكانت هناك تقارير سابقة عن زيادة خطر الوفيات بسبب انقطاع النفس الانسدادي النومي وحده والأرق وحده، واستهدفنا دراسة العلاقة بين “الأرق المرضي” و”انقطاع النفس الانسدادي النومي” -وهو ما أطلقنا عليه “كوميسا” (COMISA)–في احتمالات زيادة الوفيات من قبل، وأعتقد أن دراستنا هي الأولى على الأرجح التي بحثت تلك العلاقة.
يضيف “ليتشات”: يمثل طول مدة الدراسة نقطة قوة حقيقية؛ إذ يتيح متابعةً أطول للحصول على مزيد من النتائج، وأرى أنه كانت هناك بعض المتغيرات السريرية التي لم تتحها بيانات الدراسة، والتي كانت ستعزز النتائج، مثل الصحة العقلية للمشاركين على سبيل المثال.
وردًّا على سؤال لـ”للعلم” حول مدى تأثير الأرق المرضي المصحوب بانقطاع النفس الانسدادي النومي على الأمراض النفسية، يقول “ليتشات”: إن هناك دراسات تُظهر انخفاض جودة الحياة وزيادة معدلات القلق/الاكتئاب للمرضى الذين يعانون من الأرق المرضي وانقطاع النفس الانسدادي النومي معًا (كوميسا) مقارنةً بمَن يعانون من “انقطاع النفس الانسدادي النومي” وحده أو “الأرق المرضي” وحده، ومع ذلك، أعتقد أننا نحتاج إلى مزيد من الدراسات في تلك النقطة.
نوع الجنس
ويعترف “ليتشات” بضرورة إجراء مزيد من الدراسات للتعرف على تأثيرات التنوع بين الجنسين على مرضى الأرق المرضي المصحوب بانقطاع النفس الانسدادي النومي، مضيفًا: “وفق النتائج التي توصلنا إليها، لم نجد أي تأثير لنوع الجنس في تلك الدراسة، ومع ذلك، يجب إجراء المزيد من الدراسات.
ووفق دراسة سابقة نشرتها دورية “نيورولوجي”، فإن “الأشخاص الذين يعانون من الأرق أو من النوم المتقطع يصابون بنوبات قلبية أو سكتات دماغية أكثر، مقارنةً بالاشخاص الذين لا يعانون من أي اضطرابات في النوم”؛ إذ تابع الباحثون المشاركين من 10 مناطق في جميع أنحاء الصين لمدة 9.6 أعوام، وحللوا بيانات 487 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 30 و79 عامًا ولا يعانون من السكتات الدماغية أو أمراض القلب التاجية أو السرطان.
ووجد الباحثون -بعد المتابعة- أنه كانت هناك حوالي 130 ألف إصابة بالسكتة الدماغية والأزمات القلبية وأمراض أخرى مماثلة بين أفراد الدراسة، وأن الأشخاص الذين عانوا من أعراض الأرق بسبب قلة النوم أكثر تعرضًا بنسبة 18% للإصابة بأزمة قلبية أو سكتة دماغية مقارنةً بمَن لا يعانون من تلك المشكلات.
وعي مجتمعي
من جهته، يقول رامز رضا، أستاذ المخ والأعصاب بجامعة عين شمس: “إن انقطاع النفس الانسدادي النومي يُعد من الأمراض غير المنتشرة سواء داخل مصر أو خارجها؛ نظرًا لحداثة هذا التخصص وغياب الوعي المجتمعي به على الرغم من أهميته، كما أن كثيرًا من الأشخاص الذين يعانون من أعراض انقطاع النفس الانسداي النومي مثل الشخير وعدم الانتظام في النوم والتعب والإرهاق بالنهار لا يعرفون أنهم مصابون بهذا المرض”.
يضيف “رضا” في تصريحات لـ”للعلم”: يؤثر انقطاع النفس الانسدادي النومي على متلازمة الأيض، ويؤدي إلى السمنة وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكتات القلبية.
و”متلازمة الأيض” هي مجموعة من المشكلات تحدُث معًا وتزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية ومرض السكري من النوع الثاني، وتشمل تلك المشكلات ارتفاع ضغط الدم وارتفاع السكر في الدم وزيادة دهون الجسم حول الوسط ومستويات غير طبيعية من الكوليسترول أو الدهون الثلاثية.
من جهته، يؤكد محمد محمود حمودة -مدرس الطب النفسي بجامعة الأزهر- في تصريحات لـ”للعلم” أن “حالات انقطاع النفس الانسدادي النومي قد ترجع -أيضًا- إلى طبيعة الشخص نفسه ونظام حياته، إضافةً إلى العوامل الوراثية”.
يعلق “ليتشات” قائلًا: لسوء الحظ لم تكن لدينا أي معلومات عن تاريخ العائلة المرضي للمشاركين في تلك الدراسة، وبالتالي تم إغفال العامل الوراثي، وعلينا الالتفات إلى أن الدراسات الخاصة بـ”الكوميسا” آخذةٌ في الظهور بالفعل، وسيكون من المفيد إجراء مزيد من البحوث للتعرف على العوامل الأخرى المؤثرة على مرضى الأرق المرضي المصحوب بانقطاع النفس الانسدادي النومي، وتعيين علاج محدد لهؤلاء الأشخاص.
المصدر: SCIENTIFIC AMERICAN