أدويةمقالات وبحوث
الاستغناء عن المضادات الحيوية باستخدام مضادات البكتيريا
باحثون مصريون يطورون مركبًا كيميائيًّا يمكنه التغلب على مقاومة بكتيريا «مارسا» القاتلة في نموذج لفئران التجارب
بدأت البكتيريا صراعها مع المضادات الحيوية منذ اكتشاف أول مضاد حيوي طبيعي على يد العالم الإسكتلندي ألكسندر فليمنج في عام 1928، والآن “تُعتبر مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية مشكلة صحية متنامية مثيرة للقلق، ويمكن وصفها بالقنبلة الموقوتة”؛ إذ يُقدر عدد الوفيات الناتجة عن الإصابة بعدوى بكتيريا مقاوِمة للمضادات الحيوية في عام 2019 وحده بـ1.27 مليون حالة وفاة حول العالم، وهو عدد يفوق الوفيات الناتجة عن الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والناتجة عن مرض الملاريا، بينما يُعتقد أن العدوى ببكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية أدت دورًا ما في 4.95 ملايين حالة وفاة حول العالم في العام ذاته.
في عام 2020، أصبحت هذه المشكلة على رأس أولويات الصحة العامة العالمية، والعلماء من جميع أنحاء العالم يبذلون جهودًا بحثية متواصلة في سبيل حلها، ومن تلك الجهود محاولات إيجاد مضادات للبكتيريا تُغْني عن المضادات الحيوية، في هذا الإطار، طور باحثون مصريون مركبًا كيميائيًّا يمكنه التغلب على أحد أنواع البكتيريا القاتلة المقاومة للمضادات الحيوية، وهي المسببة لعدوى المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين، المعروفة باسم مارسا (MRSA)، وذلك وفقًا لنتائج الدراسة المنشورة في دورية “European Journal of Medicinal Chemistry”.
تحدث عدوى المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين “مارسا” بسبب أحد أنواع بكتيريا المكورات العنقودية المقاوِمة للعديد من المضادات الحيوية المستخدمة لعلاج عدوى المكورات العنقودية العادية.
مارسا وفارسا
تنتشر بكتيريا “مارسا” بين الأشخاص المترددين على أماكن الرعاية الصحية المختلفة، مثل المستشفيات ومراكز غسيل الكلى ودور رعاية المسنين، كما تنتشر العدوى بين الأشخاص الأصحاء في المجتمع عبر تلامس الجسد، وتتضمن الفئات المعرضة للخطر الطلاب الذين يمارسون رياضة المصارعة في المدارس، والعاملين في مجال رعاية الطفل، والأشخاص الذين يعيشون في المناطق المزدحمة.
تسبب بكتيريا “مارسا” التهابات في أجزاء مختلفة من الجسم، وتعتمد الأعراض على مكان الإصابة، وغالبًا ما تسبب التهابات خفيفة على الجلد، مثل الدمامل أو الخراجات، ولكن يمكن أن تسبب أيضًا التهاباتٍ جلديةً أكثر خطورة، قد يقتصر وجود البكتيريا في بعض الأحيان على الجلد فقط، ومع ذلك قد تتغلغل عميقًا في الجسم وتسبب عدوى مهددة للحياة في العظام والمفاصل، أو في الجروح الناتجة عن العمليات الجراحية، أو صمامات القلب أو مجرى الدم أو الرئتين أو المسالك البولية.
صنع الباحثون مجموعةً من المركبات المشتقة من مركب ثنائي فينيل يوريا الكيميائي، ثم أجروا تقييمًا لتأثيرها ونشاطها كمضادات للبكتيريا على بعض العينات التي حصلوا عليها من مرضى مصابين ببكتيريا مقاوِمة لعدة أدوية، أشارت نتائج الدراسة إلى أن بكتيريا “مارسا” أقل تعرضًا لتطوير مقاومة تجاه مركبات ثنائي فينيل يوريا.
ما زالت سلالات المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين -سواء المرتبطة بمنشآت الرعاية الصحية أو المرتبطة بالمجتمع- تستجيب لبعض المضادات الحيوية مثل الفانكومايسين، أظهرت المركبات التي طورها الباحثون المصريون تأثيرًا علاجيًّا طويل الأمد تفوَّق على تأثير الفانكومايسين، بعض سلالات البكتيريا من “مارسا” أصبحت تقاوم الفانكومايسين كذلك، وأُطلق عليها اسم “فارسا” أو المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للفانكومايسين VRSA، تمكنت بعض مركبات ثنائي فينيل يوريا من إعادة حساسية هذه السلالات للفانكومايسين، مما أدى إلى تحسين أثره العلاجي بمقدار 8 أضعاف إلى أكثر من 32 ضعفًا.
تعاوُن مختبرين
جذبت مشكلة مقاومة مضادات الميكروبات (AMR) المعامل البحثية حول العالم، ومنها معمل “عطية”، الذي يترأسه أحمد شريف عطية، الأستاذ بقسم الميكروبيولوجي والمناعة بكلية الصيدلة، جامعة القاهرة، والمشارك في الدراسة، كرس “عطية” معمله لتجربة مناهج وطرق مختلفة للتغلب على هذه المشكلة، من ضمنها البحث خارج دائرة المضادات الحيوية، وتطوير عوامل تحكم أخرى يمكن أن تؤثر على هذه الكائنات الحية الدقيقة جدًّا، مع الحرص على أن تكون هذه العوامل متخصصة وتُسهم في خفض إمكانية اكتساب مقاومة ضدها.
تمكن مختبر “عطية” من دراسة واختبار أكثر من 200 مركب خلال العام الماضي، وذلك من خلال التعاون مع مختبر آخر يترأسه عبد الرحمن ميهوب -الباحث في قسم الكيمياء العضوية الصيدلانية، كلية الصيدلة، جامعة الأزهر بنين، وجامعة زويل- الذي يعمل هو وفريقه على الجزء الكيميائي من البحث من أجل التوصل إلى مركبات كيميائية “سقالات” جديدة مضادة للبكتيريا، بينما يختبر “عطية” وفريقه نشاط المركبات الكيميائية وتأثيرها المحتمل كمضادات للبكتيريا، ويقيِّم درجة سميتها، وإمكانية أن تقاومها الميكروبات، وفاعليتها في النماذج الحيوانية.
توضح هانزاده نور الدين -المدرس بقسم الميكروبيولوجي والمناعة بكلية الصيدلة بجامعة القاهرة، والتي شاركت في الدراسة- مصطلح “سقالة” بأنه “يصف البنية الأساسية أو الهيكل الأساسي لمركبٍ ما يتضمن موقعًا محددًا يستبدل فيه أجزاء من المركب، وهو موضع الاختلاف الكيميائي، الذي قد يحمل بدائل مختلفة”.
تُعتبر الدراسة الحالية امتدادًا لدراسة أخرى نشرها الباحثون عام 2017، أفادت نتائجها بأن مشتقات مركب ثنائي فينيل يوريا الكيميائي (Diphenylurea) يمكن أن تكون خيارًا علاجيًّا واعدًا لمكافحة المكورات العنقودية الذهبية المقاوِمة للميثيسيلين والفانكومايسين “مارسا” و”فارسا”.
المصدر: SCIENTIFIC AMERICAN