صحة الأطفال
أطفال التوحد.. ضحايا اضطرابات الأكل
دعت د. رحاب إبراهيم، الباحث بقسم الأغذية الخاصة والتغذية، بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، التابع لمركز البحوث الزراعية، إلى التعامل الواعي مع العادات الغذائية للأطفال مرضى التوحد؛ وذلك لأن تأثيرات اضطرابات التوحد، لا تقتصر على جانب واحد من شخصية الطفل؛ بل تتجاوز لتشمل جوانب مختلفة.
أوضحت د. رحاب إبراهيم في دراسة لها نشرها معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، على صفحته الرسمية، أن طفل التوحد، قد يصاب باضطرابات الأكل؛ حيث يميل إلى انتقاء الأطعمة ذات لون وملمس محددين، فلا يأكل غيرها، لأن أي اضطراب عصبي، يرتبط بسلوكات تقييدية أو متكررة، وصعوبة في التواصل اللفظي والشخصي، بما في ذلك الميل إلى انتقائية الطعام.
وفي ذات الوقت قد تميل بعض الأسر، التي لديها طفل مصاب بالتوحد إلى الحلول التي تقدمها الأنظمة الغذائية المناسبة، نظراً لكون مرض التوحد حالة صعبة ومستعصية، ليس لها علاج محدد.
وتمكنت بعض العائلات بالفعل، بحسب قول رحاب إبراهيم، من تحقيق نتائج إيجابية في تقليل الأعراض المصاحبة لمرض التوحد، عبر اتباع نظام غذائي خاص، يعتمد على الوجبات الخالية من الجلوتين والكازين.
وأظهرت هذه الأنظمة الغذائية مؤشرات إيجابية، وتمثلت في ازدياد معدل التركيز والانتباه، وتقليل النشاط الزائد والسلوك العدواني، كما أظهرت تحسناً في عادات تناول الطعام والنوم لدى الأطفال المصابين بالتوحد.
وأضافت أن الأنظمة الغذائية صارت تبعاً لذلك من العلاجات البديلة، طالما أنها لا تحدث أية آثار جانبية، خاصة إذا تمت مراعاة البدائل الغذائية مع مرضى التوحد، وكذلك سد أي نقص في الاحتياجات الغذائية لهم.
وكشفت إبراهيم، أن اختيار هذه الأنظمة الغذائية يخضع لطبيعة المشاكل التي يعانيها أطفال التوحد، والتي تظهر عادة في مشكلات الجهاز الهضمي، ومنها الإمساك، والإسهال، وانتفاخ المعدة أو الارتجاع المعدي المرئي.
وتقترن هذه المشكلات مع طبائع وسلوكات تتعلق بالأكل أو الانتقائية الغذائية، فمثلاً قال 67% من الآباء الذين خضعوا للدراسة: إن أطفالهم يميلون إلى الانتقائية الغذائية، وفقاً لملمس الطعام بنسبة 69% ومظهر الطعام 58%، والطعم 45%، ورائحة الطعام 36%، ودرجة حرارة الطعام 22%.
كما يميل بعض الأطفال إلى عدم الرغبة في محاولة تجربة الأطعمة الجديدة بنسبة 69%، إلى جانب مجموعة محدودة من الأطعمة المقبولة لديهم بنسبة 60%.
وأشارت الدراسات إلى أن 53% من الأطفال، كانوا مترددين في تجربة الأطعمة الجديدة، في حين أفاد 83% من الآباء أن أطفالهم يفضلون أطعمة محدودة.
وتوضح النظريات الغذائية الخاصة بالأطفال مرضى التوحد، أن أجسامهم تخضع عند الأكل والهضم لمشكلات معينة، انطلاقاً من حدوث تسرب الأمعاء، أو حدوث إفراز زائد للأفيون في الجسم.
وأكدت إبراهيم، أن بعض الدراسات العلمية لاحظت وجود نسبة عالية من نقص الحديد لدى الأطفال المصابين بالتوحد، وقد تصل النسبة إلى 69% من الأطفال في عمر ما قبل المدرسة، و35% من أطفال التوحد بالمدارس؛ وذلك لأن تناول الحديد لديهم أقل بكثير من الأطفال الطبيعيين في سن ما قبل المدرسة.
وقد لا يقتصر الأمر على الحديد فقط؛ بل يمتد أحياناً إلى الكالسيوم وفيتاميني «د» و«بي12»، إضافة إلى الألياف الغذائية، والبوتاسيوم؛ وذلك مقابل مستويات مفرطة من البروتينات، وخاصة من أصل حيواني، والصوديوم، والفوسفور، المغنيسيوم وفيتامين «أ»؛ بل إن المأخوذ من الطاقة الكلية والبروتينات والدهون والكربوهيدرات أعلى من تلك التي أوصى بها المعاهد الطبية المتخصصة.
وتؤكد إبراهيم، أن صعوبة مرض التوحد تكمن في عدم وجود علاج له حتى الآن، ومن ثم يتم اعتماد علاجات تثقيفية وتعليمية موصى بها تشمل علاج النطق والكلام، والعلاج بالتكامل الحسي، والعلاج السمعي، والتدخلات والمكملات الغذائية، وعلاج اضطرابات الجهاز الهضمي وإزالة السموم، وعلاج الالتهاب العصبي، والعلاجات المناعية، والأدوية العقلية، والتي تكون فاعلة في علاج الأعراض السلوكية للتوحد.
وتنصح بأن تحتوي الأدوية التكميلية والبديلة على الغذاء؛ بحيث تشمل المكونات الصحية والضرورية لهم، ومنها فيتامين «سي»، لأنه يلعب دوراً مهماً في مختلف وظائف الجسم، وفي العديد من المسارات الأيضية.
سلوكات نمطية
تبين أن تناول حمض الأسكوربيك «فيتامين سي» يؤدي إلى تقليل نشوء السلوكات النمطية، لدى هؤلاء الأطفال، كما أن «فيتامين ب»، يلعب دوراً مهماً في المحافظة على الميثيلين الطبيعي، ومضادات الأكسدة، كما يكافح الإجهاد التأكسدي. ويضاف إلى ذلك أن البيريدوكسين والمغنيسيوم لهما تأثيرات مفيدة لمرضي التوحد.
كما يجب أن يحتوي غذاء أطفال مرض التوحد على «الميلاتونين»، لأنه مفيد في علاج اضطرابات النوم، خاصة في الذين يعانون اضطرابات النمو. وهناك أيضاً «البروبيوتيك»؛ حيث ذكرت الدراسات أن استخدامه يوفر آثاراً مفيدة للأطفال؛ حيث يشتمل مواد ضرورية لعلاج سلامة الأمعاء، كما أن لها تأثيرات مفيدة في التخفيف من أعراض التوحد.
وتعد الأحماض الدهنية، وخاصة «أوميجا3» مكملاً وبديلاً شائع الاستخدام في العلاج الطبي لمرضى التوحد، خاصة وأن بعض الدراسات كشفت أن الأطفال المصابين بالتوحد يعانون مستويات منخفضة منه، مقارنة بالأطفال الطبيعيين؛ بل إن كل المرضى المصابين بالتوحد يعانون نقص الأحماض الدهنية الأساسية، وخاصة الأحماض الدهنية. وقد وجد أن نحو 27.8% من الأسر تستخدم «أوميجا 3» في علاج مرض التوحد.
وأوضحت إبراهيم، أنه على الرغم من آلية عمل «أوميجا 3» غير معروفه لدى الأطفال، فإنه وجد أن النسيج العصبي لهم يحتوي على تركيز عالٍ من حمض الدوكوساهيكسانويك، الضروري للنمو وتطور الدماغ البشري.
ودعت إلى تناول الأطفال مرضى التوحد للنباتات العضوية والفواكه الطازجة والمجففة، والخضراوات الطازجة، والبطاطس، والذرة، والأرز، والفاصوليا، واللحوم والدجاج والأسماك؛ لأنها مناسبة للحد من الإجهاد التأكسدي، مع استبعاد المواد الغذائية التي تحتوي على القمح والشوفان والشعير.
كما لا يجب تناول منتجات الألبان مثل الحليب، واللبن الزبادي، والجبن، والزبدة، والقشدة أو الآيس كريم وغيرها.
ظهور المرض
مرض التوحد يظهر خلال السنوات الثلاث الأولى من حياة الأطفال، بنسبة 5 من الذكور إلى 1 من الإناث، ويبلغ معدل الانتشار العالمي للمرض نحو 1%.
كما أن التقديرات العالمية حالياً تشير إلى أن مرض التوحد يصيب ما بين 10 إلى 15 من كل 19 آلاف طفل، بينما كان الحال في الثمانينات من القرن الماضي، يصيب 3 إلى 4 أطفال من بين 10 آلاف طفل، مما يعنى زيادة في حالات التوحد في الأطفال.
وتعد الولايات المتحدة من أعلى معدلات المرض؛ حيث يصاب طفل واحد من كل 88 طفلاً، وكذلك فرنسا، فهناك طفل مصاب من كل 150 طفلاً، ويصل المعدل في مصر إلى طفل واحد من كل 160 طفلاً، بينما في السعودية هناك 200 إلى 400 طفل مصاب بالتوحد كل عام.
وتلعب العوامل الوراثية دوراً كبيراً في الإصابة بمرض التوحد؛ حيث وجد أن المئات من الجينات تلعب دوراً في الإصابة بالمرض؛ إذ في الأغلب يرتبط التوحد مع عدد من الاضطرابات الوراثية مثل متلازمة داون والصرع، وتصل نسبة الوراثة في المسؤولية عن التوحد إلى نحو 90% من الحالات.
وفي المقابل توجد عوامل أخرى مختلفة تشارك في حدوث التوحد مثل ضعف الاستجابات المناعية، والالتهاب العصبي غير الطبيعي، والإجهاد التأكسدي، وضعف الميتوكوندريا، واضطرابات الغدد الصماء، والضغوط، والمواد المضافة للأغذية والسموم البيئية، مثل الرصاص، والزئبق، ومركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور، ومبيدات الفوسفات العضوية، ومبيدات الآفات العضوية، والزرنيخ، وعوادم السيارات، والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، وثنائي الفينيل متعدد البروم، والاثيرات والمركبات المشبعة بالفلور.
دراسة ترصد قلق التغذية لدى الأمهات
شخصت نسيمة مشعل محمد منصور، الباحثة بكلية الدراسات العليا بجامعة الخليج العربي، العادات الغذائية لدى الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد، ودرست علاقتها بالقلق لدى الأمهات، بهدف الكشف عن تلك العلاقة بالاعتماد على المنهج الوصفي الارتباطي المقارن.
تكونت عينة البحث من (95) من أمهات الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، تتراوح أعمارهم بين 5-14 سنة، واستخدمت الباحثة مقياس سبيلبرجر للقلق الذي يتكون من صورتين، الأولى حالة القلق وتشتمل على 20 عبارة، والثانية سمة الغضب وتشتمل على 20 عبارة.
وفي سياق الدراسة التي أشرف عليها د.مريم عيسى الشيراوي ود. حسين داغستاني، أعدت الباحثة مقياس العادات الغذائية الذي يشتمل على ثلاثة أبعاد، بعد سلوكيات الأطفال أثناء تناول الطعام ويشمل 11 عبارة، وبعد انتقائية الطعام ويضم 15 عبارة، وبعد الاستقلالية الذاتية وبه 11 عبارة.
وتوصلت نتائج البحث إلى أن لدى أمهات الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد مستوى متوسطاً من القلق يرتفع كلما زادت السلوكيات الغذائية السلبية لدى أطفالهن. وأظهرت النتائج وجود علاقة عكسية بين الاستقلالية الذاتية والقلق لدى أمهات هؤلاء الأطفال، فكلما ازدادت استقلالية الطفل انخفض مستوى القلق، بالإضافة إلى وجود فروق دالة إحصائياً لمتغير العمر لصالح الفئة العمرية 5-14 سنة.
وأوصت الباحثة بتنظيم دورات توعوية للأمهات بالعادات الغذائية لدى أطفالهن ليتعرفن إلى كيفية التصرف مع الطفل وتدريبه، داعية إلى تصميم برامج تدريبية للكشف عن القلق لديهن وتعلم كيفية التعامل مع هذه العادات الغذائية. ودعت إلى الاهتمام بالصحة النفسية لأمهات الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد وتوفير الدعم النفسي والمعنوي لهن.
المصدر: صحيفة الخليج