دراسات وبحوثصحة الأطفال
دراسة: صحة المراهقين العقلية تزداد سوءًا.. والحل لا يكمن بالتدريب الذهني
يعاني المراهقون من أزمة صحة عقلية، وتسعى المدارس في العديد من الدول لإيجاد طرق مختلفة تساعد الشباب كي يكونوا أكثر مرونة.
ورغم ذلك، توصّل مشروع بحثي يُعتبر الأكبر من نوعه حول هذا الموضوع، مقره في المملكة المتحدة، إلى أنّ التدريب الذهني في المدارس قد يكون أشبه بطريق مسدود، أقلّه إذا اعتُمد كمقاربة عالمية تطبّق على الجميع.
وبحثت الدراسة التي شملت 28 ألف طفل، و650 معلمًا، و100 مدرسة، في أثر التدريب الذهني مدة ثماني سنوات، وتوصّلت إلى أن هذه التقنية لم تساعد بتحسين الصحة العقلية، وراحة المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و14 عامًا. واقترح المؤلفون البحث عن خيارات أخرى لتحسين صحة المراهقين العقلية.
وقال ويليم كويكن، أستاذ اليقظة وعلم النفس لدى مؤسسة عائلة السير جون ريتبلات التابع لجامعة أكسفورد، وأحد الباحثين الرئيسيين المشاركين في المشروع: “تعتبر المراهقة مرحلة دقيقة خلال نمو الفرد”، موضحًا أنّ “الدماغ يمرّ بتغييرات مهمة وأساسية خلالها، تُحدّد مسار حياة الناس”.
وكانت دراسات سابقة توصّلت إلى أنّ البالغين المعرّضين لخطر الاكتئاب يفيدون من تعلّم مهارات اليقظة، وأمل الباحثون بأن اكتساب المراهقين الصغار هذه المهارة قد يحد من مشاكل الصحة العقلية في وقت مبكر. واعتُقد أنّ المدارس حيث يقضي الطلاب اليافعون معظم وقت صحوهم، المكان المثالي لتقديم هذه المهارات على نحو تلقائي.
ويتضمّن تدريب اليقظة تعلم كيفية الانتباه، وعيش اللحظة، وفهم وإدارة المشاعر والسلوكيات كي يتمكنوا من التعامل بشكل أفضل مع التوتر، وتعزيز الصحة العقلية الجيدة.
وأفاد مارك ويليامز، الأستاذ الفخري والمدير المؤسس لمركز أكسفورد لليقظة في جامعة أكسفورد، في بيان أنّ “صانعي السياسات أبدوا اهتمامًا كبيرًا بهذا الأمر خلال السنوات العشر الماضية، والرسالة العامة التي قدمناها لصانعي السياسات هي: الانتباه، وتوخى الحذر، لأنّ الحماس يسبق الأدلة”.
ونُشرت الدراسات الخمس في مجلة Evidence-Based Mental Health، الثلاثاء.
عدم مشاركة الطلاب
وفي تجربة عشوائية منتظمة تُعتبر المعيار الذهبي للبحث العلمي، استمرت 41 مدرسة بالتعليم الاجتماعي العاطفي الذي أدرج في المنهج الدراسي القياسي للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و14 عامًا، فيما تلقى المدرّسون في 41 مدرسة أخرى تدريبًا لتعليم تدريب اليقظة، وإعطاء التلاميذ 10 حصص تتراوح كل منها بين 30 و50 دقيقة، ورأى الباحثون أن البرنامج فعّال في بعض الدراسات الأصغر حجمًا.
لم يُكتشف دليل على أنّ تدريب اليقظة في المدرسة كان أفضل من التدريس المعتاد لجهة وضع حد لمشاكل الصحة العقلية بعد مرور عام واحد. وبالنسبة لمن يعانون من تحديات الصحة العقلية الحالية، أشار البحث إلى أنه يمكن أن يعقّد الأمور أكثر، ما يشير إلى أن الأبحاث المستقبلية يجب أن تتمحور حول اكتشاف مقاربات مختلفة للأطفال المختلفين، رغم انتفاء وجود نتائج سلبية خطيرة.
بعد الدورة التدريبية الأولية، عزز برنامج اليقظة صحة المعلمين العقلية، وخفّف من شعورهم بالإرهاق، وكذلك حسّن بعض أبعاد الثقافة المدرسية مثل المشاركة القيادية، والأجواء المحترمة والمواقف الإيجابية من التدريس. ورغم ذلك، زال مفعوله بعد مرور عام، لأن الدورة التدريبية مصمّمة كي تُدرّس للطلاب في السنة الأولى أو الثانية من المدرسة الثانوية، خلال فصل واحد.
عند تحليل البيانات، وجد الباحثون أن هذه التقنية كانت نتائجها أفضل لدى الأطفال الأكبر سنًا المشاركين في الدراسة مقارنة مع الأصغر سنًا. ورغم ذلك، قال فريق الدراسة إن العديد من الأطفال المشاركين لم يستسيغوا تدريب اليقظة.
وأشار وليامز إلى أنّ “معظم الطلاب لم يشاركوا في البرنامج. وكمعدل وسطي، شاركوا مرة واحدة فقط خلال 10 أسابيع من الدورة التدريبية. لكن لماذا لم يرغبوا بالمشاركة؟ أجاب: “لأن معظمهم وجد الأمر مملا”.
واقترح الباحثون أن مقاربات تعليم اليقظة القائمة على الأقران يمكن أن تكون بديلاً أفضل، كأن يعطي الطلاب الأكبر سنًا الدروس للأصغر منهم، بالإضافة إلى استخدام الرياضة، والفن، وألعاب الكمبيوتر، والموسيقى، كوسيلة لتعليم هذه المهارات. وشدد الفريق أيضًا على ضرورة مراعاة القضايا المنهجية مثل الحرمان، وعدم المساواة عند السعي لتحسين صحة الشباب العقلية.
وأفاد كويكن في بيان إنه “بدلاً من تقديم طرق للأطفال بهدف تحسين تدريبهم العقلي، ربما نحن بحاجة إلى تصميم المدارس، كي تصبح المدرسة بأكملها، وجوّها، وثقافتها داعمة لصحة الشباب العقلية، ورفاههم”.
نتائج “مخيبة للآمال”
بالنسبة للمدارس والمعلمين الذين يجدون مهارات اليقظة الذهنية مفيدة، كانت النصيحة الاستمرار.
وأوضح وليامز “لا نقول إن تدريب اليقظة الذهنية يجب أن يتوقف. لكن على المدارس مراقبة كيفية تقبله من جانب الطلاب الذين غالبًا ما يصنفون بأفضل الخبراء في ما يتعلق بما يناسبهم في هذا الإطار.
وقال دان أوهير، نائب رئيس قسم التربية وعلم نفس الطفل التابع للجمعية البريطانية لعلم النفس، غير المشارك في الدراسة، إنه من المهم تخصيص دعم لصحة الأطفال العقلية مشخصن يأخذ ظروفهم بالاعتبار.
وأضاف في بيان صحفي أنه “من المهم عدم النظر إلى جلسات اليقظة الذهنية على أنها دواء لكل داء، وكمنتج جاهز للاستخدام يمكنه فقط مساعدة المراهقين ومعلميهم كي يصبحوا أكثر مرونة، من دون تقدير جميع العوامل المؤثرة الأخرى، مثل البيئة المدرسية.”
وقالت دام تيل وايكس، الأستاذة ورئيسة كلية الصحة العقلية والعلوم النفسية في معهد الطب النفسي وعلم النفس وعلم الأعصاب في كينغز كوليدج لندن، إن النتائج كانت “مخيبة للآمال.”
موضحة أن “الجانب المتفائل الوحيد للدراسة هو أثرها الإيجابي على المعلمين. قد يتكهن المرء بأن مرد ذلك إلى أن الأساليب كانت مفيدة شخصيًا للمعلمين أو أنهم كانوا سعداء بوجود بعض التدخل لتقديمه لطلابهم”.
المصدر: CNN عربي