الطب النفسي

التهيؤات والأصوات وخدوش الجسم ليست “مس” من الجن.

كثيرون يربطون الأمراض النفسية بالدجل والشعوذة عندما يصاب الشخص بالأمراض النفسية التحولية، وهى التى يتغير فيها الشخص المريض من طبيعته إلى شخص آخر مخالف له، فنجد من يقوم بحركات هستيرية، وآخر يتغير صوته، وآخر تظهر على أطرافه خدوش، ومن يتحدث إلى أشخاص غير موجودين من الأصل، وأيضًا الخوف الزائد عن الحد، ويكون السبب فى عدم رؤيتك لشىء أمامك أو سماع صوت غريب لا يوجد إلا بداخلك، وهذا ما يجعلك تلجأ إلى كل ما له صلة بـ«الماورائيات».
مرضى الامراض النفسية

مرضى الامراض النفسية

وعندها لا يتمكن شىء من إخراجك من هذه الحالة، حتى وإن كانت عصا الدجال .. اعلم أن حل مشكلتك عندك فقط، ويجب مواجهتها بمساعدة طبيب نفسى.
مرضى الامراض النفسية (2)

مرضى الامراض النفسية

الدكتورة هبة عيسوى، أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس، قالت: هناك أمراض نفسية طبيعتها تحولية يتغير فيها الشخص من طبيعته إلى شخص آخر مخالف له، فتجد طبعه هادئًا، ولكن فجأة يصبح كثير الكلام، ويتغير سلوكه بشكل جذرى ومفاجئ، وتتنوع هذه الأمراض التى ترتبط بتغير سلوكيات المريض، وتحدثه عن أمور غريبة يتخيلها الأهل أنها من أعمال الجن والسحر.
مرضى الامراض النفسية (3)
وأشار الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى بطب قصر العينى، إلى أن معظم الحالات التى تعانى من الاضطراب الهستيرى تكون فريسة للدجالين، ويقومون بضربهم وإيذائهم مع إخضاعهم أيضًا لجلسات تحضير أرواح وغيره، وأحيانًا يتعرض المريض للموت جراء الإيذاء الجسمانى، ثم يبررون للأهل أن الجن هو من قتله لعدم استجابته للطقوس، وتمكنه من جسد المريض.

حالات حقيقية واجهت الأطباء النفسيين

ويستشهد «فرويز» بحالة حقيقية لسيدة أُصيبت بأول أعراض الـ«ألزهايمر»، فما كان من زوجها على الرغم من كونه طبيب باطنة إلا أن يذهب بها للدجالين لـ5 أشهر متواصلة دون عرضها على طبيب نفسى، فهناك عدم وعى بأهمية الطب النفسى لكل شرائح المجتمع، باختلاف مؤهلاتهم وثقافاتهم ومستوى تعليمهم.

فيما اجتمع أطباء النفسية على أن أساس العلامات التى يترجمها الكثيرون على أنها «مس»، تعود فى كثير من الأحيان إلى الخلافات الزوجية، وهنا يقول الدكتور محمد على، أخصائى الأمراض النفسية: هذه الأعراض التحولية التى تحدث لشخصية ما، أو تكون على صورة إصابته بأشياء مفاجئة، مثل الرعشة والشلل و«تبريق» العين، تكون ناتجة عن خلاف ما مع شريك الحياة، لا يتمكن الطرف الآخر من حلها.
وأكد أنه واجه حالة مرضية جاءت له بحالة شلل مفاجئ فى اليد، وعند البحث عن السبب، وجد أنها كانت على خلاف مع زوجها، وذلك بجانب عدم الرغبة فى تناول الطعام والإحساس بالإرهاق المستمر كأعراض اكتئاب عادية.
وأضاف «فرويز» أنه واجه حالة لسيدة جاءت من الأرياف مع زوجها بعد إصابتها بشلل مفاجئ، وعند التحدث معها اكتشف أنها تعانى من الخوف من أن يتزوج زوجها بأخرى، وهو الأمر الذى جعلها تتوهم بهذه الحالة، وتقنع به من حولها، وعند تمكنها من الحركة طلبت منه ألا يخبر أحدًا حتى يظل زوجها مهتمًا بها ولا يتركها.
فيما قالت الدكتورة أسماء عبدالعظيم، استشارى الأمراض النفسية والعلاقات الأسرية، إنها تعاملت مع حالة مرضية كانت تشكى من أنها تحلم بشخص يخنقها ثم تصحو من النوم لتجد خيالًا يقترب منها، فتجرى منه، وتخرج من منزلها للشارع وهى تصرخ، ومع جلسات العلاج تبين أنها تعانى كثيرًا من الخلافات الزوجية المستمرة، وحياة غير جيدة، ومليئة بالمآسى مع هذا الشريك الذى كان يتصف بالبخل الشديد، وبالنهاية طلقها زوجها بداعى أنها «ملبوسة».

أعراض المس واللبس وتفسيرها العلمى

أوضحت الدكتورة هبة عيسوى أن الإغماء المفاجئ يرجع لنوبات الصرع، التى تكون من غير تشنجات أحيانًا، فيتخيلها المحيطون أنها حالة «لبس»، كما يطلقون عليها، ويعالجون ذلك لفترات طويلة بشكل خاطئ من خلال ضرب المريض بطريقة مبرحة، خاصة أنه يسقط بشكل مفاجئ ثم يعود للوعى بعد دقائق دون أن يتذكر ما حدث له، لأن هذه النوبات تجعل المخ ينفصل عن مهامه، مثل الإدراك والوعى.

وأضافت أن هناك نوعًا آخر يشعر بأنه سيسقط، ويشم رائحة غريبة قبل حدوث ذلك، مشيرة إلى أن هذه تسمى بالأعراض الاستباقية للصرع، وتتضمن أيضًا أن يرى الشخص الدنيا من حوله أصغر من حجمها الطبيعى أو أكبر، ولأن هذه الأمور غير معلومة عند أشخاص كثيرين على أنها أعراض نفسية، فإنهم يتخيلونها على أنها أمر غير طبيعى.
أما الدكتور محمد هانى، استشارى الصحة النفسية والعلاقة الأسرية، فأشار إلى أن «تبريق» العينين المصحوب باحمرار فى الوجه والرعشة يكون ناتجًا عن الإصابة بحالة هلع، وهذه التغيرات يمكن التعامل معها باحتواء الشخص، والتقليل من خوفه.
فيما بينت الدكتورة هبة عيسوى أن المرضى المصابين بـ«تبريق» العينين لديهم إحساس بالدهشة، ربما يكون من جراء الشعور بالقلق، أما ثبات العين فى مكان واحد فذلك يكون بشكل خاص لدى مريض الفصام، لأنه يحتاج لوقت أطول من الطبيعى فى تحديد الأمور أمامه وفهمها، وذلك بسبب تشتت التفكير لديه، وبالتالى التركيز أيضًا، ما يجعله يعطى إشارات خاطئة لمن حوله بأن هناك من يسيطر عليه.
كما لفتت أستاذة الطب النفسى بجامعة عين شمس إلى أن تغير صوت الشخص الذى نتعجب لرؤيته عندما يكون المريض رجلًا، ويتحدث بصوت امرأة أو العكس، يكون نتيجة فكر ضلالى بداخله، يعطى له أوامر أن يتحدث بهذا الشكل، وذلك يكون لدى مريض الفصام، أو أن يؤثر عليه عدد من الأصوات نتيجة هلاوس سمعية ما.
أما التحدث مع أشخاص غير مرئيين، وسماع أصوات غريبة، فنوّه الدكتور «فرويز» بأن هناك عددًا من الحالات المرضية تعانى من سماع أصوات غريبة، والتى تكون حسب السن، فهناك من يعانى مشكلة فى السمع، وآخرون يعانون من الفصام، فيستمعون لهذه الأصوات الغريبة، التى تشمل على ثلاثة أنواع، أما صوت يعلق على تصرفاته، أو يسىء له حينًا ويمدحه حينًا آخر، أو صوت يأمره بفعل أشياء، وتكون الأخطر، لأنها قد تطلب منه أن يقتل أحد المقربين له.
كما يقول الدكتور محمد هانى إن المريض الذى يتحدث عن أمور غريبة، وينتقل من موضوع لآخر بشكل غير مناسب لطبيعة الكلام الذى تجريه معه، تكون لديه هلاوس غير موجودة على أرض الواقع، ويمكن التعامل معها طبيًا.
أما عن مشكلة التحدث مع أشخاص غير مرئيين، فتقول هبة عيسوى إن الشخص يرد على كلام وكأن هناك آخرين حوله، فيتخيل الأهل أن هناك جنًا لا يظهر إلا له، ولكن الواقع العلمى أثبت أنها مجرد هلاوس مرئية وسمعية، لذلك يكون الشخص المريض فى بداية رؤيته لهذه الخيالات رده عليها بصوت منخفض، لأنه مازال لديه وعى بالواقع الذى يحيط به، وبعد ذلك يعلو صوته مع الوقت لتضاعف مرضه، كما تجده ينظر للسقف والحائط لأنه يرى أشياء وربما أشخاصًا عليها.
وأشارت الدكتورة أسماء عبدالعظيم إلى أن ظهور الخدوش على الجسم يكون نابعًا من الشعور بتأنيب الضمير لدى المريض ،ولكنه ينشغل بهذه العلامات عن المشكلة الحقيقية التى تواجهه، مؤكدة أنها واجهت حالة بهذه الأعراض، حيث كانت لشاب جاء لها بعد أن ذهب إلى الدجالين، ومن خلال الجلسات النفسية اتضح أن الشخص الذى يراه فى حلمه ويبدأ بجرحه هو إحساسه بتأنيب الضمير ليس إلا، وأنه من يفعل بنفسه ذلك خلال ساعات النوم، لأن العقل الباطن هو ما يفعل به ذلك لشعوره بالذنب تجاه فتاة كان يحبها ثم تركها وتزوج بأخرى.
يصف الدكتور جمال فرويز حالة الشخص الذى يعانى من وجه شاحب مائل للاصفرار، وأيدٍ باردة، ورعشة مع حركة لا إرادية تحت العين، أنه مصاب بالقلق، مؤكدًا أن نفس هذه الأعراض إذا زادت لتشمل على حواجب عين مرفوعة، وكلام ضعيف متقطع، بالإضافة إلى حركة بطيئة، فيكون هذا الشخص مصابًا بالاكتئاب، وكلها أمراض نفسية بسيطة تحتاج لبعض العقاقير والقليل من الجلسات النفسية.

أسباب تجعل الشخص مؤهلاً لهذه الأعراض

هناك بعض الأسباب التى تجعل الشخص مؤهلًا لمثل هذه الأعراض العارضة، والإصابة بأمراض نفسية مختلفة، والتى يوضحها الدكتور محمد هانى بأنها تراكمات لمشكلات كثيرة يتعرض لها الشخص لتصبح لديه شخصية ضعيفة وأكثر قابلية للمرض النفسى، وتكون عادة لشخص يائس، لعدم إيجاده فرصة عمل، أو آخر متزوج وانفصل عن شريكه أو فى حالات الصدمات النفسية والإدمان أيضًا.

وأكد استشارى الصحة النفسية أن الإحصائيات توضح أن لدينا 12% يترددون على عيادات الطب النفسى بسبب معاناتهم مع الأمراض النفسية، بالإضافة إلى 45% متأزمين من مشكلات نفسية، ويلجأون لمختص من أجل حلها، مشيرًا إلى أن الحل يكمن دائمًا فى التوجه للطبيب، والوعى بحجم المشكلة النفسية التى يواجهها الشخص.
كما سلط «فرويز» الضوء على مريض الهستيريا على أنه أكثر هؤلاء الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض التحولية، لأنه كثيرًا ما يفعل أمورًا غريبة من أجل لفت الانتباه والاستحواذ على اهتمام من حوله، فيرمى بنفسه على الأرض ،ويشعر بآلام الصداع ورعشة اليد والرجلين كثيرًا، ويصاب بحالة من عدم القدرة على الكلام والسمع، ومن هنا يكون 90% منهم معرضين للتعامل مع الدجالين، موضحًا أن ذلك كله يكون ناتجًا من تغيرات فى كيمياء المخ.

تعامل الأسرة مع المريض والحل الطبى للأعراض التحولية

أما عن تعامل الأسرة مع ظهور مثل هذه الأعراض التحولية السابقة، فتنصح الدكتورة هبة عيسوى الأهل بألا يشعروا بالخجل عند التوجه للطبيب النفسى، وألا يختاروا الحل الأسهل من خلال التوجه للدجالين، مؤكدة أن الحل الطبى بسيط، ويكون من خلال فحص ورسم للمخ بسيط، ثم يتم كورس العلاج الذى تكون مدته إلى الحد الذى يرجع معه رسم المخ للطبيعى، خاصة فى حالة الصرع.

وأكدت «العيسوى» أن التوجه للطبيب سيمنع تفاقم الأعراض، والوعى لدى الأهل والمريض نفسه هو أهم وسيلة لحل هذه المشكلة، أما عن نسب العلاج فيتم تحديدها أيضًا بشكل علمى بحسب كل شخص من خلال إجراء تحليل دم له.
وأضاف «فرويز» أنه بشأن المريض الهستيرى الكثير الشكوى من هذه الأعراض، فإنه يجب على الأهل التوجه للمختصين من أطباء النفسية، وعدم إعطاء اهتمام زائد للحالة، لأن ذلك يزيد من الأمر لديها، مشددًا على ضرورة نشر ثقافة التعامل مع الطبيب النفسى أكثر فى المجتمع ككل.
الصحة-النفسيةالصحة-النفسية
وفى السياق ذاته، وجه الدكتور محمد هانى عددًا من النصائح للأسر عند ملاحظة هذه التغيرات، أولًا أن تكون على وعى أنه قد يؤذى نفسه والمحيطين به، وثانيًا أن الاكتشاف المبكر هو الطريق الأسهل للعلاج، لذلك حذر من التوجه للدجالين، لأنهم لا يفعلون شيئًا غير تعطيل عمل الطبيب النفسى فى التعامل مع الحالة، وحلها قبل أى تفاقم.
فيما وضح الدكتور محمد على أنه قد يكون الأسهل لدى الأسرة أن تنسب ما يحدث لابنها لشىء خارج عن قدرات البشر، وتتوجه به للدجالين، لكنه الخيار الأسوأ على الإطلاق، فذلك قد لا يمنعه من إطلاق لفظ مجنون عليه بل أنه يسىء الأمر أكثر، مضيفًا أن هناك خدمة خط استفسارات نفسية أطلقته وزارة الصحة من أجل التوجه له مجانًا عند الاستفسار عن أى من هذه الأمور الخاصة بنفسية الشخص، يمكن الاستعانة بها بسهولة.
وأضاف أخصائى النفسية أن حل المشكلة لا يمكن أن يعتمد على الدجالين وضرب العصا أو المشايخ وقراءة القرآن والبخور والرقية الشرعية، فلا مانع من القيام بالتعاليم الدينية، ولكن بجانب العلاج الطبى، مستشهدًا بالآية «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».
إغلاق