ألفا 1- أنتي تريبسين هو بروتين سكري (glycoprotein) يتم إنتاجه في الكبد وله أهمية كبيرة في نواح عديدة. فهو واحد من مجموعة البروتينات التي يرتفع مستواها في الدم في حالات الكرب (Stress)، كما بعد العمليات الجراحية، في حالات الإلتهاب، أثناء الحمل وأحيانا في حالات الضائقة النفسية، لدى تناول الأستروجينات (Estrogens) كأقراص لمنع الحمل، أو لدى العلاج بالهرمونات مع الكورتيكوستيرويدات (Corticosteroids).
الآلية التي تسبب الإنتاج المكثف والزائد لبروتينات المرحلة الحادة من الالتهاب في الكبد، والمعروفة باسم “بروتينات الطور الحاد” (Acute phase proteins) لا تزال غير واضحة بعد. ولكن، بالإمكان الاستعانة باختبارات خاصة لقياس مستوى البروتينات في الدم، كمقياس دقيق لوجود حالات الكرب المذكورة أعلاه.
المستوى الفا 1 – أنتي تريبسين الطبيعي في الدم يتراوح بين 150 – 200 ملغرام/ ديسيلتر. وكما ذكر سابقا، فإن مستواه يرتفع، بشكل ملحوظ، في حالات الكرب المختلفة. وإضافة إلى كونه مقياسا غير مباشر يعبر عن التغيرات الهرمونية أو ردة فعل لتغيرات فيزيولوجية في الجسم، والتي وترسل إشارات إلى الكبد وتدفعه إلى إنتاج مكثف للالفا 1 – أنتي تريبسين، فإن أهميته السريرية – المرضية المباشرة المتربطة بألفا 1 – أنتي تريبسين، تتعلق، بشكل خاص، بمستوى منخفض جدا من هذا البروتين. في حال انخفاض مستوى البروتين في الدم إلى أقل من 40% من مستواه الطبيعي، تعتبر هذه النتيجة ذات أهمية مرضية مع دلالة سريرية خاصة.
الفا 1 – أنتي تريبسين ليس متواجدا في المصل (Serum) فقط وانما في سوائل الجسم الأخرى أيضا، مثل السائل النخاعي (Cerebrospinal fluid)، اللعاب، الدموع، الحليب، المني (السائل المنوي – Semen) وغيرها. ويكمن سبب انتشاره في سوائل الجسم المختلفة في وظيفته الفيزيولوجية المتمثلة في تثبيط عمل عدد من الإنزيمات الحالـّة للبروتينات (Proteolytic enzymes)، أي الإنزيمات التي تفكك البروتينات. هذه الانزيمات متعددة ومتنوعة بشكل كبير، مثل: التريبسين (Trypsin)، البلازمين (Plasmin)، الثرومبين (Thrombin)، الكولاجيناز (Collagenase)، فيما لإنزيم الأكثر أهمية من بينها هو انزيم الإيلستاز (Elastase) الذي تفرزه كريات بيضاء (Leukocytes) معينة، مثل العدلات (Neutrophils) والبلاعم (Macrophages). وتفرز العديد من الأنسجة والخلايا المختلفة في الجسم، دون توقف، مختلف الانزيمات الحالة للبروتينات، الضرورية والحيوية لعملها. على سبيل المثال: البلازمين والثرومبين، هما إنزيمان حالان للبروتينات فعاليتهما ضرورية لعملية تخثر الدم. الكولاجيناز يفكك بروتين الكولاجين، الذي تتكون منه العظام، الغضاريف إضافة إلى كونه مركبا هاما في الجلد. كذلك التريبسين، هو إنزيم متعدد الفعاليات تكمن أهميته في استنشاط (Reactivation) إنزيمات وبروتينات مختلفة في الجسم، من حالتها غير الفعالة في حالة طليعة الإنزيم (Preenzyme) غير النشط، وفقط بعد إزالة جزء صغير منه (من البروتين أو طليعة الإنزيم)، أو ببتيد (Peptide)، يتحول البروتين غير الفعال إلى بروتين أو إلى إنزيم فعالة (نشط). ومع ذلك، من المهم جدا منع الجسم من الوصول إلى حالة من فرط حلّ البروتينات، إذ أن الإنزيمات الحالّة قد تعمل، في هذه الحالة، دون رقابة فتؤدي إلى هدم وتفكيك مبالغ به للبروتينات والأنسجة، وهي عملية قد تنتهي بالموت.
يحوي الالفا واحد – أنتي تريبسين خصائص فريدة تمكنه من تثبيط عمل الانزيمات الحالة المختلفة: فهذه الأخيرة تعمل على بروتين الالفا 1 – أنتي تريبسين باعتباره مسكـَبَة (Bed) فتزيل منه قطعة بروتين وترتبط بصورة محكمة إلى باقي أجزاء البروتين بطريقة تعطل وتمنع استمرار عمل وفاعلية الإنزيمات الحالة للبروتينات. من هنا، فإن العَوَز (النقص) في مستوى الالفا 1 – أنتي تريبسين يتميز بنشاط حال للبروتينات مكثف وخطير. معظم الناس (أكثر من 90%) ينتمون، من الناحية الوراثية، إلى مجموعة PiM. الـ Pi، ترمز إلى الجين الذي ينتج البروتين المثبط للبروتياز (Protease inhibitor)، بينما يرمز الـ M إلى أحد الجينين اللذين يحددان مستوى الالفا 1 – أنتي تريبسين في الدم وفي الأنسجة المختلفة. معظم الأشخاص الذين لديهم النمط الجيني (Genotype PiM)، يكون عمل الالفا 1 – انتي تريبسين لديهم سليما. نحو 3% من السكان لديهم النمط الظاهري (Phenotype) الوراثي PiS مع مستوى منخفض من بروتين الفا 1 – انتي تريبسين، نحو الثلث فقط من المستوى الطبيعي السليم. ونحو 1% ليدهم النمط الجيني PiZ، أي أن مستوى الالفا 1 – أنتي تريبسين أقل من 15 ملغرام/ ديسيلتر والتي تشكل 6- 8% من المستوى السليم.
الاشخاص المصابون بنقص (عوز) الفا 1 – أنتي تريبسين الوراثي البارز، معرضون بدرجة كبيرة للإصابة بالمرض الرئوي المعروف باسم “النفاخ الرئوي” (Emphysema) والتهاب القصبات المزمن (Chronicbronchitis). الإصابة في الرئة تكون ملحوظة في الفصوص السفلية، أكثر من المساحات العليا ويتم تسريع وتيرتها ومسارها بتلوث جرثومي أو نتيجة التدخين. البلاعم الموجودة في الرئة، وكذلك خلايا الدم البيضاء، مثل العَدِلات (Neutrophils)، الملاصقة لطبقة البطانة (Endothelium) في الاوعية الدموية الرئوية، تفرز انزيمات حالـّة للبروتينات، مثل الكولاجيناز والإيلاستاز. الإيلاستاز يفكك بروتين الإيلاستين (Elastin) الذي تتمثل أهميته في الحفاظ على مرونة نسيج الرئة. لدى المصابين بنقص الفا 1 – أنتي تريبسين، لا تتم بنجاعة عملية تثبيط فعالية الإيلاستاز في نسيج الرئة، وتبرز إصابة هذا الانزيم في الفُصَيصات (الفصوص الصغيرة – Lobules) التي يمر من خلالها الهواء في الرئة. بهذه الطريقة، يصاب أداء الرئة بشكل كبير، الأمر الذي يؤدي إلى ضيق التنفس وحتى الحاجة، في الحالات الحادة، إلى زرع رئة.