الأمراض التي تسببها جراثيم العِقْدِيَّة المُقَيِّحة (Streptococcus pyogene) من المجموعة A معروفة من نصوص كتبها أبُقراط (Hippocrates) في المئة الخامسة قبل الميلاد، حين وصف المرض الذي اصاب العضل والأنسجة. في سنة 1874 شوهدت العقدية المقيِّحة للمرة الأولى لدى مريض بالتهاب جلدي (الحُمْرَة – Erysipelas)، وفي سنة 1879 وصف باستير (Louis Pasteur، 1822-1895) لأول مرة وجود الجرثومة في دم والدة أصيبت بعدوى ما بعد الولادة.
العقديات A تابعة لمجموعة العقديّات من النوع الموجب حسب صيغة غرام. وهي تسبب تحلل الدم (Hemolysis) بشكل كامل عندما تنمو على سطح يحتوي على مادة أغارية (Agar) وخلايا دم حمراء، ولذلك سميت بيتا – إنحلالية (beta – hemolytic ).معروف أن هذه الجرثومة تسبب لإلتهاب البلعوم (Pharyngitis) لإلتهابات في الجلد تشمل الحُمْرة (Erysipela)، واحياناً عدوى صعبة كانت سببا في تسمية هذه الجرثومة بالمفترسة.
لقد عرفت العقديات A أيضا بفضل قدرتها على التسبب بدائين يُعَرَّفان على أنهما نتاج “ما بعد” (Post) العدوى وهما: الحمى الروماتيزمية وإلتهاب كبيبات الكلى (Glomerulonephritis ). هذان المرضان يعتبران ناتجا لرد فعل جهاز المناعة في الجسم على الجرثومة. والمعروف ان لجراثيم العِقْديَّة المُقَيِّحة من المجموعة A مركبات خلوية مختلفة تمنحها القدرة على تفادي جهاز المناعة الخاص بالجسم الحاضن من جهة، والقدرة على التسبب بأضرار لجسم المضيف، من جهة أخرى.
الكبسولة المركبة من حامض الهيالورونيك (Hyaluroic acid) هي مركب فريد للعقديات من نوع A. هذا المركب يكسب الجرثومة مناعة يحميها من الإبتلاع من قبل خلايا الدم البيضاء (البلْعمَة) (Phagocytosis). وبسبب مبناها الخاص لا يتعرف إليها جهاز المناعة على أنها جسم غريب، ولذلك لا ينتج مضادات لها.
البروتين M هو جزيء له مبنى لولبي يرتكز في أحد أطرافه على جدار الخلية ويبرز إلى الخارج من الطرف الثاني. هناك أنواع مختلفة من البروتين M التي يتم تصنيفها حسب القسم البارز إلى الخارج من البروتين، علما أن هذا القسم يختلف من نوع لآخر. لقد تم التعرف حتى اليوم على أكثر من -120 نوعا مختلفاً من العقديات من الصنف A، المصنفة حسب البروتين M.
هذا البروتين مُسْتَمْنَع (immunogenic)، أي ، تتولد ضده مضادات لتحييده (مضادات مُسْتَعْدِل – Neutralizing antibodies). والمريض الذي يتعرض لنوع محدد من البروتين M تتطور لديه مضادات تحميه من هذا النوع. حتى السنوات القليلة الماضية، إستند تصنيف البروتين M للعقديات A، على نوع المضادات المنتجة ضد أنواع مختلفة، أما اليوم، فالتصنيف المتعارف عليه يتم حسب تسلسل الجينات المشفرة للبروتين M. وبهذه الطريقة زاد التصنيف من عدد السلالات للبروتين M التي أصبح بالإمكان الكشف عنها كما رفع من حساسية الفحص بشكل ملحوظ.
تنتج سلالات معينة من العقديات A، سمومًا تسمى سموم العقدية المُقَيِّحة (Streptococcal pyrogenic exotoxins). وتعرف اليوم أكثر من عشرة أنواع من سموم العقدية A التي تسبب نوعين من الأمراض: الحمى القرمزية (Scarlatina) ومتلازمة الصدمة السُّمِيَّة.
التهاب البلعوم هو من أكثر الأمراض الجرثومية شيوعاً التي تسببها العقديات من النوع A، وخاصة لدى الأطفال. وتكون قمة المرض لديهم، خلال السنوات الاولى من دراستهم. ويحمل ما يتراوح بين %10- %15 من طلاب المدارس جرثومة العقديات دون أن تظهر عليهم أي أعراض للمرض. ويمكن للجرثومة الانتقال من حاملها المعافى إلى شخص آخر وإصابته بالمرض.
زمن حضانة العقديات A يتراوح بين يومين وأربعة أيام. وتكون بداية المرض فجائية وتتميز بآلام شديدة في الحلق يصاحبها إرتفاع بالحرارة، ضعف وتعب. تضخم وإحمرار في اللوزتين، وممكن رؤية نقط إفرازية بيضاء مميزة جداً. ويصاحب إلتهاب الحلق بتضخم في الغدد الليمفاوية أسفل الفك.
إلتهاب الحلق يمر عادة بدون علاج بالمضادات الحيوية، لكن لهذا العلاج وظيفتين: يقصر فترة المرض، والأهم أنه يمنع المضاعفات مثل الحمى الروماتيزمية.
الحمى الروماتيزمية (Rheumatic Fever) هو مرض التهابي ينتج ما بعد العدوى بالعقديات A. وقد قل انتشاره كثيراً في القرن العشرين خاصة بسبب التحسن الملحوظ في ظروف المعيشة وبفضل العلاج بالبنيسيلين. بالرغم من كل هذا، في الدول المتقدمة تعتبر العقديات المسبب الأكثر شيوعاً لمرض الصمامات القلبية. كما ذكر، بالإمكان تجنب هذا المرض بواسطة علاج التهاب البلعوم باستخدام بالمضادات الحيوية.
تتنوع الالتهابات الجلدية الناجمة عن التلوث بالعقديات A. وتشمل: الحُمْرَة (Erysipelas )، تقيح الجلد (Pyoderma). ان التهاب الهّلل (التهاب النسيج الضام الرخو – cellulitis) والقوباء (Impetigo) هما من أشكال العدوى الجلدية الأوسع انتشارا، لكنها على الغالب لا تشكل خطراً على حياة المريض. تتميز الحُمْرة باحمرار موضعي، حرارة، تورم وأوجاع. وقد ينشأ هذا الالتهاب في الأطراف والوجه بدون إصابة سابقة لهذه الأعضاء، ولكن في بعض الأحيان قد تظهر العدوى في موضع أصيب فيه تصريف الجهاز الليمفاوي. في بعض الأحيان قد تكون الإصابة بالحُمْرة إذ تدخل الجرثومة لمجرى الدم وتشكل خطراً على حياة المريض.
تسبب العقديات A عدوى جلدية عميقة تصيب الأنسجة، والعضلات والطبقات الفاصلة بين العضلات (fascia). عدوى الأنسجة الرخوة كالنَّخْر العضلي (Myonecrosis) أو التهاب اللفافة النخري (Necrotizing fasciitis) يكون، غالبا، تلوثا صعبا ويهدد الحياة. تحدث الإصابة بسرعة وخلال زمن قصير تتطور لإصابة واسعة في الأنسجة. يشكو المريض من حمى مرتفعة وألم شديد جداً في المنطقة المصابة.
علاج هذا المرض يتطلب تشخيص مسبق، عملية جراحية لإستئصال الأنسجة التي نخرتها العدوى، والعلاج بواسطة المضادات الحيوية. وعلى الرغم من توفر العلاج الملائم، إلا أن نسبة الوفاة نتيجة المرض عالية جداً.