دراسات وبحوث
ما سر العلاقة الغامضة بين اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية والسرطان؟
توصلت دراسة حديثة إلى تفسير للعلاقة بين اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية وازدياد خطورة حدوث سرطان، التي كانت توصف بأنها غير واضحة وغامضة.
وأجرى الدراسة باحثون في مركز سكربس للأبحاث في الولايات المتحدة الأميركية، ونشرت في 28 سبتمبر/أيلول الماضي في مجلة (Science Advances)، وكتب عنها موقع “يوريك أليرت”.
وإيقاع الساعة البيولوجية هو الطريقة التي يستجيب بها جسمنا للمتغيرات من حولنا بما يتوافق مع دورة الضوء والعتمة خلال 24 ساعة.
اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية
ويعد اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية واحدا من العوامل المعروفة التي تزيد خطورة حدوث عدد من الأمراض، من بينها مرض السرطان. وتتطلب مهن عدة ساعات عمل غير منتظمة تتغير من يوم لآخر، وتشمل القيام ببعض الأعمال في الليل أو التناوب على العمل خلال الأسبوع. العاملون في هذه القطاعات تزداد لديهم خطورة الإصابة ببعض السرطانات؛ كسرطان الرئة.
على الرغم من وضوح الرابط بين اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية ومرض السرطان لدى العلماء فإن الآلية التي تتسبب فيها هذه الاضطرابات بزيادة خطورة حدوث مرض السرطان كانت مجهولة.
وقام الباحثون بإجراء اختبارهم على فئران مختبر تحمل طفرة “كراس”، وهي الطفرة الوراثية الأكثر حدوثا لدى مرضى سرطان الرئة. ونصف الفئران تم وضعهم في غرفة تخضع لنظام إضاءة طبيعي تشعل فيه الأضواء 12 ساعة وتطفأ في 12 ساعة الباقية. ووضع النصف الثاني في غرفة يضطرب فيها نظام الإضاءة بطريقة تحاكي ما يحدث لدى العاملين في المهن التي تتطلب مناوبات؛ فتُشغل الأنوار قبل 8 ساعات من الموعد المعتاد كل يومين إلى 3 أيام.
نتائج هذه التجربة توافق ما هو متوقع ومعروف مسبقا؛ فالفئران التي تعرضت لنظام الإنارة غير المنتظم كان حدوث السرطان عندها أعلى بنسبة 68%.
وعند دراسة التسلسل الجيني للحمض النووي الرايبوزي لمعرفة الجينات التي أسهمت في نمو السرطان؛ ظهر وبشكل مفاجئ أن مجموعة البروتينات التي تنتمي لعائلة عامل الصدمة الحرارية الأول (HSF1) ازداد نشاطها وتراكمها داخل أنوية الخلايا بشكل ملحوظ، وفقا للورقة البحثية التي نشرها الباحثون.
عامل الصدمة الحرارية الأول
تقول الباحثة الدكتورة كاتجا لاميا إن هذه الآلية لم تكن متوقعة، وتضيف أن عامل الصدمة الحرارية الأول يرتفع في نماذج كثيرة من السرطانات، ولكن لم يكن من المتوقع أن تكون للأمر علاقة بإيقاع الساعة البيولوجية.
يقوم عامل الصدمة الحرارية الأول بالتأكد من أن سير عملية صناعة البروتين تتم بالطريقة الصحيحة حتى لو كان الجسم يتعرض لضغوط خارجية. وفي حالة اضطراب الساعة البيولوجية فإن حرارة الجسم تضطرب وترفع بذلك نشاط هذا العامل.
توضح الدكتورة لاميا أن درجة حرارة أجسادنا تنخفض بمقدار درجة أو درجتين أثناء النوم، وأن العاملين في مهن تتطلب مناوبات لا يتعرضون لمثل هذا الانخفاض؛ مما يؤدي إلى اختلال العمل الطبيعي لهذا العامل، الذي يسهم في ازدياد الاضطراب داخل أجسادنا. وتضيف الباحثة أنها تعتقد أن الخلايا السرطانية تستغل جهود هذا العامل لصالحها فتنتج المزيد من الاختلالات الجينية والبروتينات المشوهة، وتعتقد لاميا أن مزيدا من الأبحاث يجب أن تتم لتأكيد ذلك.
نتائج هذا البحث لا تقود فقط إلى فهم الآليات التي يتسبب فيها اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية في مرض السرطان، بل إنه أيضا قد يسهم في حماية الفئة الأكثر عرضة لمثل هذه الاضطرابات من خطورة حدوث السرطانات لديهم.
المهمة القادمة للباحثين هي معرفة دورة عامل الصدمة الحرارية الأول في نمو الخلايا السرطانية، وإن كان وجوده واجبا لنمو هذه الخلايا أو أنه مجرد ارتباط. الباحثة تقول إنهم الآن يعلمون أن رابطا ما يجمع بين اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية ونمو الخلايا السرطانية وعامل الصدمة الحرارية الأول، وعليهم معرفة الطريقة التي تتصل بها هذه العوامل ببعضها البعض.
السرطان سبب رئيسي للوفاة
وتقول منظمة الصحة العالمية إن “السرطان سبب رئيسي للوفاة في جميع أنحاء العالم، وأزهق أرواح 10 ملايين شخص تقريبا عام 2020، أو ما يعادل وفاة واحدة تقريبا من كل 6 وفيات”، و”من أكثر أنواع السرطان شيوعا سرطانات الثدي والرئة والقولون والمستقيم والبروستات”.
وتضيف المنظمة أنه “تُعزى نحو ثلث الوفيات الناجمة عن السرطان إلى تعاطي التبغ، وارتفاع معامل كتلة الجسم، وتعاطي الكحول، وانخفاض مدخول الجسم من الفواكه والخضراوات، وقلة ممارسة النشاط البدني”.
وتؤكد المنظمة أنه “يمكن شفاء الكثير من أنواع السرطان إذا كُشفت حالاته وعُولجت مبكرا”.