الصحة العامة
قرية معمرة في إيطاليا وثلاث أسرار حتى تعمر لـ100 عام
تبدو بيرداسدفوجو كأي قرية أخرى في إقليم سردينيا الإيطالي، لكنك ستشعر بالدهشة البالغة عندما تعلم، أنه يوجد بهذه القرية المغمورة أكبر عدد من المعمرين الذين بلغوا الـ100 عام، مقارنة بأي مكان آخر في العالم، فما سرهم؟
رغم أن قرية بيرداسدفوجو التي يبلغ عدد سكانها 1780 نسمة، تزهو بإدراجها في موسوعة غينيس للأرقام القياسية لتسجيلها أكبر عدد من المعمرين عالميا، فإن الطريق المؤدي إليها لا يحمل علامات تشير إلى شهرتها.
وتقديرا لما اشتهر به سكانها من طول العمر، أطلق أحد متاجر البيتزا بميدان بالقرية على نفسه اسم “بيتزا لونجيفيتا” أي “الحياة الطويلة”.
الطعام الصحي والهواء النقي والابتعاد عن الضغوط
وأصبح المسنون مصدر فخر لسكان القرية، وهناك صور فوتوغرافية بالأبيض والأسود للمعمرين الذين بلغوا 100 عام، معلقة على جدران البيوت على طول الطريق الرئيسي، وأسماؤهم مسجلة تحتها وكذلك العام الذي ولدوا فيه.
وعلى سبيل المثال نجد صورة فيتوريو لاي الذي ولد في 12 فبراير/شباط 1922، وتظهر صورته رجلا يبتسم في خجل، ويرتدي قبعة ملونة وسترة شتوية، وقميصا أبيض اللون وربطة عنق كالفراشة (بابيون).
وأصغر معمر في قرية بيرداسدفوجو أنونزياتا ستوري، التي احتفلت بعيد ميلادها المئوي، في 16 أغسطس/آب الماضي، وقام العمدة برونو تشلوني شخصيا بتقديم التهنئة لها.
وتقول ستوري إنها تتمتع بصحة جيدة “كسمكة تسبح بنشاط في المياه”، كما أنها تشعر بالحيوية والبهجة ولا تتناول أي أدوية، وتعد بنفسها حساء مينستروني بالخضروات الخاص بها مع فريجولا (نوع من المعكرونة) المصنوع منزليا، وهو نوع من المعجنات الذي يشتهر به إقليم سردينيا.
وهناك صورة تجمعها مع المخرج السينمائي بيترو ميرو، وهما يقفان أمام آنية كبيرة تحتوي على الطماطم والباذنجان والفلفل، وأخرج ميرو فيلما وثائقيا عام 2017 بعنوان “نادي أصحاب الـ100 عام”، ونشر صورته معها على الفيسبوك.
ويدور سؤال عما إذا كانت نوعية الغذاء التي يتناولها سكان القرية هي السبب في طول أعمارهم، ويعرب المخرج ميرو عن اعتقاده بأن السكان الذين يقيمون في المنطقة الشرقية من سردينيا يعيشون حياة صعبة للغاية، ولكنهم يتعرضون لدرجة أقل بكثير من الضغوط مقارنة بسكان المدن في هذه الأيام. ويقول إنهم يتبعون إيقاع الطبيعة، بدلا من الاهتمام بشكل مستمر بهواتفهم المحمولة والرسائل الإلكترونية.
الزراعة
ويؤكد أنطونيو بروندو أكبر السكان في القرية عمرا، أن الزراعة كانت دائما هي النشاط الاقتصادي الرئيسي في القرية.
وقال لمحطة “راي” التلفزيونية، إن “السكان يعملون على الدوام وسط الهواء النقي”، ويبلغ بروندو من العمر 104 أعوام، ولا تزال بشرته مشدودة دون ترهلات ولوحتها أشعة الشمس قليلا، وليس ثمة ما يشير إلى عمره الحقيقي سوى سقوط أسنانه الأمامية.
بينما يقول سلفاتوري مورا وهو مؤرخ وعضو بالمجلس المحلي بقرية بيرداسدفوجو، إن ثمة عدة عوامل تفسر طول عمر سكان القرية، أحدها العوامل الوراثية، إلى جانب أن السكان المحليين يتناولون أطعمة لا يبعد مكانها عن بيوتهم حيث تزرع أساسا في حدائق منازلهم.
ويشير مورا إلى أهمية التواصل والقرب الاجتماعي بين سكان القرية، ويقول “من المعتاد أن يحيط أفراد العائلة ببعضهم بعضا حتى آخر يوم في حياتهم”، مؤكدا أن هذا الاتجاه يساعدهم على الحفاظ على صحتهم ولياقتهم البدنية والذهنية.
وتحتفل القرية بالعيد المئوي لكل من يبلغ من سكانها هذا العمر، ولكن لا يبدو أنه ستقام احتفالات بهذه المناسبة خلال العام الجاري حسبما يقول مورا، ويضيف قد يقام احتفال في العام المقبل ببلوغ أحد السكان 100 عام من عمره.
ويقول ماسيمو وهو نادل بمقهى كائن بميدان “أوروبا” بوسط البلدة، وهو يقدم الطلبات للزبائن، “لا يمكنك أن ترى مثل هذا العدد الكبير من المعمرين، الذين تجاوزوا الـ100 من العمر ويتمتعون بالنشاط والحيوية في أي مكان آخر”.
وترتفع درجة الحرارة عادة خلال فصل الصيف، ولا يتمتع جميع السكان بالعافية، فمثلا تقيم امرأة تعاني من عدم القدرة على الحديث في دار لرعاية المسنين، حسبما يقول ماسيمو.
طريقة سكان سردينيا الحياتية
وفي تفسيره لطول عمر سكان القرية، يقول ماسيمو إن “الفضل في ذلك يرجع ببساطة إلى طريقة سكان سردينيا الحياتية”. ويضيف أنه بشكل علم لا يتناول أحد منهم أي عقاقير كما يتناولون أطعمة صحية، ويعيشون حياة هادئة تتسم بالبساطة.
ويسعى العلماء أيضا إلى فهم طول عمر سكان جزيرة سردينيا، ويخطط مشروع تشارك فيه جامعة ساساري بالجزيرة، في وضع طبقات متتابعة من 13 ألف عينة، من الحمض النووي لسكان مقاطعة أوجلياسترا، وفقا لما ذكرته وكالة أنباء أنسا الإيطالية، بينما يقول نائب رئيس الجامعة جافينو ماريوتي، “نأمل أن نبرهن على أن السكان يعيشون حياة جيدة في سردينيا، ويكون ذلك أيضا وسيلة لتسويق بلدنا”.