أخبار

تقنية جيولوجية جديدة لتحديد بصمات السرطان على المستوى الذري

يعد السرطان ثاني أكبر سبب للوفاة في جميع أنحاء العالم، حيث يتسبب في أكثر من 10 ملايين حالة وفاة سنويًا. ومع ذلك، فإن العديد من أنواع السرطان قابلة للشفاء إذا تم اكتشافها مبكرًا وعلاجها بفعالية. وان المشكلة في كثير من الأحيان هي غدر السرطان؛ فقد كشفت دراسة جديدة أنه قد تكون هناك طريقة لتحديد «بصمات» السرطان على المستوى الذري، باستخدام تقنية أكثر شيوعا في الجيولوجيا من الطب. إذ يمكن أن يقدم هذا الاكتشاف طرقًا جديدة لدراسة نمو السرطان بشكل عام كما قد يقدم خيارات جديدة للكشف المبكر.

ومن أجل المزيد من التوضيح، قالت المؤلفة الرئيسية آشلي مالوني عالمة الكيمياء الجيولوجية الحيوية بجامعة كولورادو بولدر «تضيف هذه الدراسة طبقة جديدة تمامًا إلى الطب، ما يمنحنا الفرصة للنظر في السرطان على المستوى الذري». وذلك وفق ما نقل موقع «ساينس إليرت» العلمي عن «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم».

وللقيام بذلك، استفادت مالوني وزملاؤها بالولايات المتحدة وسويسرا من الاختلافات الطبيعية في توزيع نظائر الهيدروجين (وهي إصدارات مختلفة من نفس العنصر) والتي تحتوي ذراتها على نفس مجموع البروتونات ولكن بأعداد مختلفة من النيوترونات. والديوتيريوم هو الأثقل بين نظيري الهيدروجين المستقرين، ويتميز عن الهيدروجين التقليدي بالنيوترون الإضافي؛ وهو أقل وفرة على الأرض، حيث يفوق عدد ذرات الهيدروجين عدد الديوتيريوم بنحو 6000 إلى واحد. كما يعد توزيع هذه النظائر مفيدًا في علوم الأرض، حيث يحمل أسرارًا حول أشياء مثل الصخور القديمة أو الصفائح الجليدية. لكن توجد أيضًا مجموعات مختلفة من ذرات الهيدروجين داخلنا، وأرادت مالوني معرفة ما إذا كانت تلك النظائر يمكنها تسليط الضوء على الألغاز الموجودة داخل أجسامنا. واستلهامًا من عمل والدها كطبيب أمراض جلدية، أرادت على وجه التحديد معرفة ما قد تكشفه نظائر الهيدروجين عن السرطان.

وفي هذا تقول مالوني «إنه يزيل خلايا سرطان الجلد من الناس طوال الوقت. ولقد تساءلت كيف يمكن أن يكون التمثيل الغذائي لتلك الخلايا مختلفًا عن الخلايا التي تنمو بجانبها».

وفي التجارب المعملية، قام الباحثون بزراعة خلايا الخميرة وخلايا كبد الفئران، ثم قاموا بتحليل نظائر الهيدروجين الخاصة بها. ووجدوا أن الخلايا ذات معدلات النمو المرتفعة جدًا مثل الخلايا السرطانية لديها نسبة مختلفة تمامًا من الهيدروجين إلى الديوتيريوم.

وتشير مالوني وزملاؤها إلى أن هذا لا يزال أوليًا، ولا تزال هناك أسئلة كثيرة حول الكيفية وما إذا كانت نظائر الهيدروجين قد تشير إلى وجود سرطان بجسم الإنسان. ولكن بالنظر إلى إمكانية إنقاذ الأرواح من خلال الكشف المبكر، فإن هذا الأمر يستحق المزيد من البحث، كما يقول المؤلف المشارك سيباستيان كوبف وهو عالم جيولوجي بجامعة كولورادو بولدر، مبينا «ان فرصك في البقاء على قيد الحياة أعلى بكثير إذا أصبت بالسرطان في وقت مبكر. اما إذا كانت هذه الإشارة النظائرية قوية بما يكفي بحيث يمكنك اكتشافها من خلال شيء مثل فحص الدم، فقد يعطيك ذلك تلميحًا مهمًا بأن شيئًا ما ليس على ما يرام».

جدير بالذكر، ان خلايا الخميرة والفأر عادةً تولد الطاقة عن طريق التنفس الخلوي، حيث تستوعب الأكسجين وتطلق ثاني أكسيد الكربون. ولكن عندما لا يتوفر الأكسجين بحرية، يمكن لمعظم الخلايا أن تتحول مؤقتًا على الأقل إلى التخمر لتحليل السكريات إلى طاقة بدلاً من ذلك.

وفي هذا يشرح كوبف انه «في البشر، إذا كان أداء الرياضي يتجاوز الحد المسموح به في التمارين الهوائية، فإن عضلاته ستبدأ أيضًا في التخمر، حيث لا يستخدم الأكسجين. وهذا يمنح دفعة سريعة للطاقة. كما أن العديد من أنواع السرطان تغذي نموها عن طريق التخمر، ومن منطلق معرفة ذلك، سعى العلماء منذ فترة طويلة إلى إيجاد طرق لرصد التشوهات الأيضية التي يمكن أن توضح وجود خلايا سرطانية لدى المرضى».

وفي الدراسة الجديدة، حاولت مالوني وزملاؤها تتبع هذه التغيرات الأيضية من خلال تحليل نظائر الهيدروجين. إذ تحصل الخلايا على ذرات الهيدروجين من إنزيم يسمى نيكوتيناميد أدينين ثنائي النوكليوتيد فوسفات (NADPH). ولها العديد من القبعات، لكن إحدى واجبات NADPH تتضمن توزيع ذرات الهيدروجين على جزيئات معينة كجزء من إنتاج الأحماض الدهنية. واستنادًا إلى نشاط الإنزيمات الأخرى في الخلية، قد يجمع NADPH نسبًا مختلفة من ذرات الهيدروجين والديوتريوم. ونظرًا لميل السرطان إلى إعادة تشكيل عملية التمثيل الغذائي للخلية، يأمل الباحثون في فهم ما إذا كان السرطان يغير أيضًا الطريقة التي تحصل بها الخلايا على الهيدروجين في المقام الأول، وبالتالي التأثير على تركيبتها الذرية.

وقد شملت التجارب مستعمرات الخميرة التي غالبًا ما تكون بمثابة نماذج لدراسة السرطان. وبالإضافة إلى مستعمرات من خلايا كبد الفئران السليمة والسرطانية. أخذ الباحثون عينات من الأحماض الدهنية من هذه المستعمرات، ثم استخدموا مطياف الكتلة للكشف عن نسبة نظائر الهيدروجين في كل عينة.

وتخلص مالوني الى القول «لقد وجدت الدراسة أن خلايا الخميرة المتخمرة (التي تمثل الخلايا السرطانية) تحتوي على ذرات ديوتريوم أقل بنحو 50 % من خلايا الخميرة الطبيعية. كما أظهرت خلايا الفئران السرطانية انخفاضًا مشابهًا ولكن أقل وضوحًا في الديوتيريوم».

من جانبه، يقول المؤلف المشارك شينينج تشانغ عالم الأحياء الدقيقة البيئية بجامعة برينستون «للأسف، يعد السرطان والأمراض الأخرى موضوعًا كبيرًا في حياة الكثير من الناس. وكانت رؤية بيانات آشلي بمثابة لحظة خاصة وعميقة. وهذا يعني أن الأداة المستخدمة لتتبع صحة الكوكب يمكن أيضًا تطبيقها لتتبع الصحة والمرض في أشكال الحياة، ونأمل أن يحدث ذلك يومًا ما في البشر. لقد نشأت في عائلة تواجه تحدي السرطان، وآمل أن أرى هذا المجال يتوسع».

إغلاق